الشهيدان عامر و علي الحضيري : ودّعا أمّهما الصابرة قبل استشهداهما بدقائق
الشهيدان عامر و علي الحضيري : ودّعا أمّهما الصابرة قبل استشهداهما بدقائق
الشهيدان عامر و علي الحضيري : ودّعا أمّهما الصابرة قبل استشهداهما بدقائق
عدد القراءات: 3321

  

نابلس – تقرير خاص :

لم تكنْ أمّ علي تعلَم أنّ ولدها الذي يلحّ عليها أنْ تدعوَ له بالشهادة هو هدف طائرات الأباتشي الصهيونية الملتصقة في سماء المدينة الواقعة في مرمى نيران القناصة .

 

ففي يوم الأحد 5/8/2001 حضر عامر إلى البيت ليخطف لقاء بأسرته ، اعتاد أنْ تخطفه منه أشغاله الميدانية و مهماته الجهادية ، و أخذ يطلب من أمّه أنْ تدعو له بالشهادة محاولاً إقناع قلب الأم بمنزلتها العظيمة و مكانتها الرفيعة في الجنّة إنْ نال ابنها الشهادة ، و أخيراً و تحت إلحاحه الشديد دعت الوالدة الله أن يتقبّل ابنها شهيداً عنده ، فقبّل رأسها و خرج ، و ما هي إلا لحظات قليلة حتى دوّت ثلاثة انفجاراتٍ كانت كافية لجعل الأم تدرك أنّ باب السماء كان مفتوحاً عند دعائها .

كان عامر الذي اعتاد أنْ يبقى متوضئاً قد انطلق بسيارته في شارع شويكة عندما فاجأته المروحيات الصهيونية الغادرة بثلاث صواريخ من النوع الحارق ، نجح عامر في مراوغة الأول و تفاديه قبل أنْ يصيب الصاروخان الآخران السيارة بشكلٍ مباشر لتشتعل السيارة باللهب و يحترق جسد عامر بعد أن صعدت روحه إلى بارئها ، لتكون نارهم الحاقدة رسالةً لمن شهد الحادث بأنّ نار الصهاينة قد تحرق الجسد لكنّها مفتاحٌ مقدّس للجنة أمام أرواح الشهداء .

  

لقد كانت الأم تعلم أنّ فتاها الورديّ يحبّ الأرض و يعشق الشهادة ، و كم أخبرها أنّه رغم حبّه لها و لوالده فإنّه يتوق إلى الفراق و الرحيل إلى مقامٍ أسمى و مكانٍ أعلى ، إلى السادة الكبار مع النبيّين و الصديقين و الشهداء و الصالحين ، حدّثها طويلاً أنّه قد اشتاق لرفاقه الراحلين ، حدّثها عن فواز بدران و أحمد عليان و محمود مرمش و زميله في جامعة الخليل نبيل خاطر .

 

و ككلّ الحكايا التي تكتبها دماء القساميين في أسفار الخلود ، كان لدماء آل الحضيري قصة و حكاية صاغها الوجع المتمرّد على ظلم القيد لتحاكي روعة دمائهم و شرف بطولاتهم بلون الدم و ريح المسك و عنفوان الشباب المشتعل حماساً لساعة اللقاء . ففي بيت هذه العائلة الشامخ في قلب الساحل الفلسطيني وُلِد الأخوان (عامر و علي) شقيقان لا ثالث لهما .

أمّا والدهما الأكاديمي المعروف الأستاذ "منصور حسن حضيري" محاضر في كلية الزراعة في جامعة النجاح ، و نائب عميد كلية فلسطين التقنية – خضوري .

 

أمّا والدة الشهيدين أم علي فمربية فاضلة و مدرّسة بارعة أثبتت الأيام أنها و زوجها من خير المربّين الذين يجود الزمان بمثلهم ، فمن أفضل ممّن يربّي ولديه الوحيدين ليكونا شهداء ..

يتحدّث والد الشهيدين عن حياتهما قائلاً : "إنّ علامات الشهادة بدت على ولديه منذ نعومة أظفارهما ، فعليّ و عامر قد فتحا عيونهما داخل المسجد يلتحقان بدورات التجويد و يحصلان على مراتب عليا فيها ، و يحفظان القرآن الكريم و لا يفوّتان عملاً فيه فائدة و منفعة خاصة إذا كان عملاً روحياً" .

 

و يضيف الوالد بصوتٍ لم ينهكه فقدانه لولديه الوحيدين ، أنّ انتماءهما لحماس بدا واضحاً أيضاً منذ طفولتهما و من خلال نشاطهما المتميّز في صفوف الحركة الطلابية الاسلامية ، و فعاليات الحركة الميدانية ، حيث يقول إنّه طالما كان و بدافع الأبوّة يطلب إليهما الهدوء و الحفاظ على نفسيهما غير أنهما كانا ينظران للحياة نظرة جليلة و عظيمة و يعتبران الحياة الحقيقية فعلاً هي في الشهادة ، و هذا ما كان ، حيث أضاف الوالد : "أنا أعتبر أنّ ولديّ قد حصلا على أمنيتها الكبيرة ، و نالا مطلبهما بالحياة العزيزة الكريمة في عليين" .

 

أمّا أم علي فهي ككلّ الأمّهات الفلسطينيات اعتقل ولدها الأكبر "علي" و هو في السابعة عشر من عمره ، و بعد أيامٍ تبعه عامر ابن الصف العاشر في ذلك الحين ، حيث مكثا في المعتقل ما يقارب العام ، تقول أمّ علي : "حين كنت أذهب لزيارة ولديّ داخل السجن كنت أتطلّع للتخفيف من آلامهما فيفاجآنني بالصبر و التجلّد رغم أنّهما كانا طفلين في ذلك الحين ، أمّا اليوم و قد رحلا إلى الجنة فلا يصبّرني على فراقهما إلا الإيمان بأنّهما قد قضيا شهداء و بأنّ لقائي بهم قريب في الجنّة إنْ شاء الله" .

 

و بعد خروجهما من السجن عاد عامر و علي إلى المدرسة و عرين "حماس" من جديد قبل أنْ يلتحق علي بجامعة النجاح الوطنية لدراسة الهندسة ، و بعد ذلك بعامٍ التحق عامر بجامعة الخليل لدراسة المحاسبة حيث كانا من نشطاء الكتلة الإسلامية في جامعتي النجاح و الخليل .

يقول والد الشهيدين علي و عامر : "إنّ عامراً قد اعتقل مرّةً أخرى أثناء دراسته في جامعة الخليل بعد اعتقال صديقه أيمن قفيشة قائد خلية صوريف من كتائب القسام" .

 

و عن تلك المرحلة الاعتقالية يقول أحد المعتقلين الذين التقوا عامراً في زنازين الجلمة خلال التحقيق معه : "إنّ عامراً كان مصدر إزعاجٍ دائمٍ للمحقّقين ، ففي ممرّات (الشبح) يسمع جميع المعتقلين صوت عامر و هو يصرخ "احذروا الاعتراف ، و الإنكار أقرب الطرق إلى الدار" ، و غيرها من الكلمات التي تقوّي عزيمة الأسرى و ترفع درجة التحدّي و الصمود لديهم و تصعّب على الجلاد دوره في نزع الاعتراف من صدورهم" .

 

و يضيف ذلك الأسير أنّ عامر قد فقد في كثيرٍ من الأحيان سمعه و أحياناً بصره و دخل مراراً مراحل غيبوبة بسبب شدّة التعذيب الذي تعرّض له دون أنْ يقول كلمة واحدة ، حيث عُرِف بصمودٍ أسطوريّ في التحقيق .

أمّا عليّ فلاستشهاده حكاية أخرى ، فبعد عملية (كفار سابا) الرابعة في عهدة القسام العشرية ، وجّه الصهاينة الاتهام لعليّ كأحد أعضاء الخلية المسؤولة عن تلك العملية ، و اختفى عليّ عن الأنظار لفترةٍ طويلة حتى صباح يوم 3/5/2002 حين دقّ جرس الهاتف في منزل آل الحضيري ، و ما إنْ رفعت الأمّ سماعة الهاتف حتى غرّد في أذنها صوت الحبيب علي و هو يقول : "أنا في اشتباك ، و خياري الاستشهاد ، لا تبكي و لا تحزني فأنا أنظر إلى قتلاهم و أرى مصارعهم و قريباً أراك عند عامر في الجنة" .

 

و قبل أنْ تجيب الوالدة الملهوفة بكلمة واحدة ، كان عليّ قد أطلق العنان للروح لتفيض إلى بارئها ، و أطلقها من سجن جسده النحيل إلى في فردوس السماء ، تاركاً للأرض أنْ تنعم باحتضان جسده الذي طالما صال فوقها و جال .

يقول والد الشهيد في حفلٍ أقامته الكتلة الاسلامية لتخريج دفعة عليّ من طلبة الهندسة : "أبارك لزملاء عليّ تخرّجهم فكلّهم أبنائي ، و أبارك لنفسي تخرّج عليّ و حصوله على الشهادة السماوية ، و أقول لكم بصراحة رغم أنّني أبٌ إلا أنّني كنت أحترم عليّاً في حياته و هو ولدي و اليوم أنا أجلّه لنفس السبب الذي كنت أحترمه فيه في حياته و لأنّه قد نجح في تحقيق الهدف الذي رسمه لنفسه" ..

 

 

أضف تعليق
تغيير الصورة
تعليقات الزوار

1

ورود الشهيد سامر الزوربا، نابلس
الحمد لله رب العالمين يا رب يكونوا في اعلى مراتب الجنه مع سيدنا محمدصلى الله عليه وسلم واصحابه والصديقين والشهداء ويارب يصبر والدته ووالده واحباءئهم اعلى درجات الصبر والاجر ان شاء الله تعالى
تصميم وتطوير: ماسترويب