وجهة نظر
ظاهرة الاختطاف في النضال الفلسطيني
عدد القراءات: 1717

 

 

بدأت ظاهرة الاختطاف في التاريخ الفلسطيني الحديث في أوائل السبعينات حين بادرت بعض الاجنحة العسكرية التابعة لبعض الاحزاب والحركات السياسية الفلسطينية بممارسة هذه الظاهرة سواء في اراضي الجوار العربي او في اوروبا، وكان لهذه الظاهرة امتدادها ودعمها من قبل بعض النشطاء من الرفاق الاجانب في الكفاح ضد الامبريالية والصهيوينة، كان لهذه الظاهرة ايجابية تستحق الذكر كما كان لها سلبيات ومآسٍ وأضرار لا تزال عالقة بسمعة النضال الوطني الفلسطيني حتى الآن، وشكلت هذه السابقة مادة خصبة للسينما الغربية لا زالت تجترها حتى الآن، وكان انتاج الفيلم الاخير "ميونخ" أحد الامثلة على ذلك.

 

لم يلتفت العالم الغربي لطرد قرابة المليون فلسطيني من اراضيهم ومدنهم وقرارهم عام 1948، كما لم يقف هذا العالم الغربي موقفاً موضوعيا او محايداً من إقامة دولة عبرية على اطلال المدن الفلسطينية، بل استمر سياسيوا هذا العالم الغربي بتجاهل القضية الفلسطينية التي تم اعتبارها قضية لاجئين يتم حلها بتوفير بعض المواد الغذائية، قامت هذه الانظمة الغربية بتمويل وكالة الامم المتحدة لاغاثة وتشغيل اللاجئين، اليونروا، وبذلك غسلت هذه الانظمة المتورطة في تشريد الشعب الفلسطيني ايديها من الشعور بالذنب عما سببته للشعب الفلسطيني، معتقدة ان هذا الشعب سينسى جذوره ووطنه تحت وطأة الجوع والحرمان وانتظار التموين الشهري، لكن الاهمال العالمي لهذه القضية وعدم التعامل مع قضية اللاجئين باعتبارها قضية سياسية وليست قضية انسانية تستحق الشفقة دفعت بعض النشطاء من اللاجئين وغيرهم الى البحث عن أي وسيلة لايقاظ هذا العالم من سباته العميق، وحين عجز العقل والحوار عن التصرف، انطلق الجسد ليعبر عن غضبه، وانتشرت ظاهرة اختطاف الطائرات الاوروبية، هذه الاعمال التي اثارت الغضب الغربي، أثارت أيضاً تساؤلات كبيرة حول السبب الكامن وراء ارتكاب هذه الافعال، كان الفدائيون يقومون باختطاف الطائرات من المطارات الاوروبية ويطالبون الحكومة الاسرائيلية بالافراج عن المعتقلين الفلسطينيين، لم تستجب اسرائيل لهذه الدعوات لكن هذه الاعمال كانت كافية لاثارة تساؤل المواطنين والساسة الغربيين حول جوهر القضية الفلسطينية التي تبين لاحقاً انها ليست قضية لاجئين يطالبون بتحسين ظروفهم او زيادة مخصصاتهم من الطحين والسردين، إنها قضية شعب تم طرده وترحيلة وتهجيره الى المنافي، لقد تعرف المواطن الغربي بفضل سياسة الاختطاف على وجود شيء اسمه القضية الفلسطينية وعرف ايضاُ ان هذه القضية هي جوهر الصراع في منطقة الشرق الاوسط.

 

اثارت ظاهرة الاختطاف حنق وغضب بعض الانظمة العربية المعنية، ادت لاحقاً الى ضرب العلاقة الاستراتيجية مع اهم عمق ورئة للشعب الفلسطيني، الاردن، كان الاردن حاضنة للقضية الفلسطينية ولاجئيها وثورتها، لكن ممارسات الثورة اساءت كثيراً للنظام الاردني الذي تساءل في لحظة من اللحظات عن معنى سيادته وهو يرى الطائرات التي اختطفها الرفاق تهبط في مطار عمان ويتم حرقها امام عدسات الكاميرات، شكلت هذه الاعمال شرخاً عميقاً في تاريخ العلاقة بين الاردن والفلسطينيين، لم يستطع الطرفان تجاوز ذكرياتها رغم مرور عشرات السنوات على وقوعها، تداعت الاحزاب اليسارية الفلسطينية التي اطلقت مبادرة الاختطاف واتخذت قراراً بوقف هذه الظاهرة لما الحقته بأضرار بالقضية الفلسطينية التي تعتبر قضية عادلة لكن المبالغة في التطرف كان لها دوراً سلبياً اكثر منه ايجابياً.

 

خسرنا قلعتنا في الاردن، وهاجرنا مرة ثالثة الى لبنان، حيث تكررت الكثير من الاخطاء القاتلة التي  ليست موضع حديثنا، تم تكرار هذه الظاهرة انطلاقا من لبنان، وتكررت في الثمانينات حين اقدمت بعض الفصائل الفلسطينية على اختطاف باخرة اكيل لارو، لقد ارتبطت صورة الفدائي الفلسطيني في وعي المواطن الغربي باختطاف الطائرات، كما شنت وسائل الاعلام الغربية حملة كبيرة على الفلسطينيين وثورتهم مما الحق بها الاذى الكبير على الصعيد الاعلامي، وادركت بعض الفصائل الفلسطينية مرة اخرى عدم صواب هذا النهج في اثارة انتباه الرأي العام  العالمي، وتوقفت تقريباً هذه الظاهرة الى ان تجددت بعد عشرات السنوات في ظروف مختلفة نسبياً في الزمان والمكان.

 

الزمان: السنوات الخمس العجاف الاولى في الالفية الثالثة، المكان: ساحة الوطن الخلفية.

 

يعبرون الحدود التي اقامهما المحتل لعرقلة دخول أي اجنبي الى الاراضي المحتلة، لم ترغب سلطات الاحتلال بتسهيل دخول متطوعي حركة التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني، بل بذلت اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية قصارى جهدها لاعاقة دخول الاجانب الراغبين بدخول الاراضي الفلسطينية وذلك لايمانها بخطورة الرسالة الاعلامية التي قد يقوم هؤلاء المتطوعون بنشرها وارسالها الى العالم الغربي الذي لا يعرف عن اسرائيل شيئاً سوى انها واحة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط الذي يكتظ بالدول الدكتاتورية والقمعية، اسرائيل التي حولت الصحراء الى جنة، لم ييأس هؤلاء المتطوعون من دخول المطارات والحدود الاسرائيلية، بذلوا جهدهم للتمويه على سلطات المعابر، خلق هؤلاء المتطوعين آلاف الحجج لابعاد الشبهة عن انفسهم حتى يتمكنوا من عبور المطار، بل ان الاجهزة الامنية الاسرائيلية كانت قد قامت بتفتيشهم واستجوابهم في مطارات بلدانهم للتأكد من انهم ليسوا سوى سواح مسيحيين يرغبون بزيارة الاراضي المقدسة لا أكثر وأن لا علاقة لهم بحركة التضامن الدولي وغيرها من المؤسسات التي تعمل على تعزيز التعاطف والتضامن الدولي مع نضال الشعب الفلسطيني، وبعد ان تمكن المتطوعون من دخول الاراضي الفلسطينية وعبروا عشرات الحواجز، بل انهم كانوا يعبرون الى بعض المدن المحاصرة كمدينة نابلس بالمشي ليلاًُ عبر السلاسل الجبلية شديدة الانحدار ليتمنكوا من دخول المدينة دون المرور عبر حاجز حوارة او غيره من الحواجز التي اصبحت بمثابة معبر دولي يعيق فيه الجنود دخول الاجانب للمدينة.

 

توجه المتطوعون الذين زاد عددهم عن السبعة آلاف متطوع دولي الى المدن والمخيمات والقرى الفلسطينية لكتابة التقارير عن التوسع الاستيطاني والانتهاكات الاسرائيلية لحقوق الانسان بالاضافة الى مواجهة الدبابات الاسرائيلية والجنود الاسرائيليين في الاراضي المصادرة، واجهوا بصدورهم العارية قنابل الاحتلال وهراواته، رأيناهم ُيضربون بالعصي وبقبضات الجنود بينما كانوا يتظاهرون ضد بناء جدار الفصل العنصري، كما شاهدناهم يعتصمون في المنازل المهددة بالنسف، رأيناهم وهم يهرعون لانقاذ العائلات المنكوبة اثناء الاجتياحات المتكررة، كما رأيناهم يقدمون اجسادهم دروعاً بشرية لاخلاء المقاومين والجرحى والشهداء اثناء اجتياح نيسان، رأتهم كل عائلة من عائلات البلدة القديمة في مدينة نابلس وهم يخرقون نظام حظر التجوال لايصال الغذاء والدواء للمواطنين كما رآهم اطفال مخيمات اللجوء في قطاع غزة وهم يقفون امام جرافات الاحتلال رافضين وصارخين بوجه المحتلين: لن تمروا إلا على أجسادنا، ليسقط منهم الشهيد والجريح ويتم اعتقال المئات منهم ويتعرض مئات آخرون للضرب المبرح فيما تم إبعاد المئات، تعرضوا لظروف اعتقال غير انسانية، عرف هؤلاء المتطوعون معنى وصعوبة ان تكون فلسطينياً، عادوا الى بلدانهم ليقصوا على اصدقائهم وزملائهم حقيقة ما شاهدوه في فلسطين، نظموا معارض الصور والمهرجانات السينمائية التي عرضوا فيها افلامهم، كما قاموا بتنظيم المحاضرات وورش الحوار والمؤتمرات التي تحدثوا خلالها عن حقيقة الظروف التي يمر بها المجتمع الفلسطيني، وقاموا بتشكيل لجان التضامن الفرعية في مختلف المدن الغربية.

 

سقطت منهم المتطوعة الامريكية ريتشل كوري، وسقط منهم المتطوع البريطاني توم هارندال، لم يكن الشعبان الامريكي ولا البريطاني يوماً اعداءً لشعبنا، كانت ولا زالت نسبة كبيرة من آلمتطوعين الذين قدموا الى فلسطين من الامريكيين والبريطانيين، هؤلاء المتطوعين الذين يشعرون بعدم تمثيل حكوماتهم لهم، جاءوا ليعربوا لنا على رفضهم وسخطهم من سياسة حكوماتهم، جاءوا ليقولوا لنا لسنا مسؤولين عما يقوم به رؤساؤنا، لقد عمل معظم هؤلاء المتطوعين في المطاعم وغيرها من المرافق في دولهم لجمع ثمن تذكرة السفر وتكاليف الاقامة في الاراضي الفلسطينية، ونادراً ما وافقت مؤسسة غربية على تمويل نفقات احد المتطوعين، لذلك بادر هؤلاء الاصدقاء الى تمويل نفقات رحلتهم من مصادرهم الشخصية، ليعودا الى الغرب رسلاً وسفراء لفلسطين، سفراء يعرفون كيف يخاطبون شعوبهم بلغاتها، ويعرفون كيف يتعاملون مع وسائل اعلامهم ومع المؤسسات المحلية هناك، يعرفون كيف يدافعون عن قضيتنا اكثر مما استطاعت وزارة الخارجية والاعلام والسفراء العرب اجمعين، كانوا مدافعين عن حق هذا الشعب في الحياة، استطاعوا ان يعيدوا لقضيتنا بعض الاعتبار في المحافل والمحاكم الدولية، حاولوا مقاضاة رئيس الوزراء الاسرائيلي ارئيل شارون بتهمة ارتكابه لجرائم حرب فيما بقي الاخوة والاشقاء العرب ينظرون ويراقبون ويعبثون بمناخرهم، نظم هؤلاء المتطوعون آلاف المظاهرات لتوعية المواطن الغربي بالقضية الفلسطينية، قاموا بهذه الجهود طوعاً وعلى نفقتهم الخاصة بينما تقوم بنفس المهام شركات اعلامية كبرى لصالح اسرائيل وتتقاضى هذه الشركات ملايين الدولارات على القيام بحملاتها الاعلامية التشويهية.

 

لاحظ الجميع تبايناً في الموقفين الامريكي والاوروبي من القضية الفلسطينية والعراقية طيلة السنوات الخمس الماضية، كان الاوروبيون اكثر موضوعية في التعامل مع الصراع بينما فضلت الادارة الامريكية تبني وجهة النظر الاسرائيلية دائماً مما أثر سلباً على دور الولايات المتحدة في لعب دور الشريك النزيه في المفاوضات والمسيرة السلمية في الشرق الاوسط، في حين تمتع الاوروبيون بالموضوعية النسبية في تعاملهم مع الصراع، كان لا بد من ضرب هذه العلاقة الودية بين اوروبا والفلسطينيين، وشاءت الاقدار او الصدفة ان  يتم نشر رسوم الكرتون المسيئة للاسلام والرسول صلى الله عليه وسلم، وبدأت حملة عربية اسلامية غير طبيعية ولا مسبوقة للانتقام من كل اوروبا، استيقظت الامة الاسلامية من سباتها فجأة، لم يكن ذبح آلاف العراقيين والافغانيين والفلسطينيين كافياً لايقاظ شرف هذه الامة ودفاعها عن كرامتها، التهب الشارع العربي والاسلامي بآلاف المظاهرات اليومية ولفترة تجاوزت الشهرين، اندفع الشبان الى الشوارع وأحرقوا الاعلام الاوروبية وداسوها بأقداهم، لا بد من الانتقام بأي وسيلة ممكنة، والجميع يعرف العصبية العربية واساليب التعبير التي اعتادت وسائل الاعلام على نقلها من الشوارع الاسلامية، وجوه غاضبة، تهديد ووعيد، حركات منفعلة، مظاهرات خارجة عن السيطرة، حرق للسفارات والممتلكات الحكومية، مظاهرات لا اول لها ولا آخر، يا إلهي، أين كانت هذه الحشود حين تم احراق المسجد الاقصى وارتكاب مجزرة الحرم الابراهيمي الشريف وجزرة قانا وملجأ العامرية، لماذا لم تقم قائمة الامتين العربية والاسلامية حين شاهدتا عبر الفضائيات العربية المساجد في يافا وحيفا وعسقلان وقد تم تحويلها الى دور للبغاء والملاهي الليلية حيث ترقص الفتيات العاريات امام ما كان منبراً او محراباً في يوم من الايام، لماذا اكتفوا حينها بالدعاء الى الله ان يفرّج عن الامة الاسلامية محنتها ولم ينزل مسلم واحد الى الشوارع ليحرق المراكز التجارية الامريكية التي تسيطر على سوق التجارة العربية من المحيط الهادر الى الخليج الثائر، أي فصامية تعيش هذه الامة؟ لم تثر ثائرتها حين شاهدت الدبابات الاسرائيلية تدوس على اجساد الاسرى المصريين المستسلمين بعد تعريتهم في حرب عام 1967، لم تثر ثائرتهم حين داست الدبابات الاسرائيلية الامريكية الصنع اول عاصمة عربية عام 1982، بيروت، لتلحق بها عاصمة الرشيد عام 2003، ومن يدري من تكون العاصمة المقبلة، لماذا اقتصر الانتماء الديني على الاساءة لشخص الرسول صلى الله عليه وسلم، لا اعتقد ان الرسول سيثور بنفس المقدار لو كان بيننا الآن، سيقول كما عهدناه دوماً: وجادلهم بالتي هي أحسن، لقد بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم دعوته بارسال الرسل مبشرين قبل ان يقيم دولته، ارسلهم ليشرحوا للعالم سماحة الاسلام وعدله، لم يحرق اعلامهم بل طلب من رسله ان يقوموا بشرح الرسالة الاسلامية التي جاءت رحمة وهداية للعالم اجمعه وليست لامة العرب وحدها، كان الرسول صلى الله عليه وسلم مؤمناً بأهمية الحوار في تثبيت العقيدة، لقد مكث الرسول علية الصلاة والسلام ثلاثة عشر عاماً وهو يدعوا قومه للتعرف على الاسلام وتعلمه والايمان به قبل ان يشهر دعوته، لقد حمل الاسلام اسماً كبيرا منذ انطلاقه: الرساله، هذه الكلمة الكبيرة التي تستوعب الكثير من المضامين، ارسال الرسالة عن الدين المتسامح، دين العدل والمحبة والمؤاخاة، دين الدفاع عن الحرية، ولا اعتقد ان ما يقوم به أي انسان في هذا العالم في سبيل نشر العدل ورفع الظلم بعيداً عن مبادىء الاسلام حتى ولو يكن من معتنقي هذا الدين.

 

تمخضت الامة الاسلامية فولدت قراراً ضعيفاً يتمثل بمقاطعة المنتوجات الدانماركية، يا له من قرار جريء، لقد أعجبتني الفكرة في بداياتها، لكنني تذكرت ان هذه العاصفة ستهدأ قريباً وسريعاً، إذ ان هذه الأمة لا تملك آلية علمية للنضال في سبيل تحقيق حقوقها، هي امة منفعلة بالحدث وليست فاعلة، لذلك توقعت ان تنتهي هذه المقاطعة ولا اعتقد انها ستستمر الى فترة طويلة، كان الاحرى بهذه الامة ان تقاطع كل المنتوجات الامريكية والغربية التي لها بديل محلي، ولا اعتقد ان من حق هذه الامة ان تشتري ثقافة الاستهلاك دون ان تكون منتجة لشيء يذكر، لقد اثبتت هذه المظاهرات عجز هذه الامة عن الانتاج الثقافي القادر على مخاطبة الغرب، لم أسمع عن كتب تم تأليفها لشرح الاسلام للغرب او أفلام تم انتاجها باللغة الدانماركية او الانجليزية للرد على هذه الهجمة، ُترى لو طلبنا من هؤلاء المليار مسلم الغاضبين التبرع بدولار واحد من كل مسلم لانتاج أفلام وثائقية عن الاسلام نخاطب فيها الغرب ونشرح له قضيانا، ألم يكن ذلك أكثر رقياً! اليس ذلك بأفضل من التهديد والوعيد ثم العودة للنوم نومة لا صحوة بعدها كما عودتنا هذه الامة! لقد أحدثت ردة فعل المسلمين غير المنظمة شرخاً لا يمكن نسيانه في العلاقة الأوروبية العربية بينما انبرى الأمريكيون لإعطاء الأوروبيين درساً في احترام أديان الآخرين مستغلين الفرصة التاريخية لتعزيز الهوة بيننا وبين أوروبا، المنافس التقليدي للولايات المتحدة.

 

لا يتحمل الغرب مسؤولية جهلة بالاسلام، كما لا يتحمل المواطنون الغربيون مسؤولية عدم معرفتهم بتعاليمه، بل يتحمل هذه الخطيئة المسلمون بالدرجة الاولى، حيث اعتادوا على الافتراض بأن الغرب سيفهمهم وهم يتحدثون العربية، كيف هذا ونحن نعلم ان وسائل الاعلام في تطور كبير ومتسارع، ان المواطن الغربي ليس مستعداً لبذل الكثير من الجهد والوقت لمعرفة المزيد عن الاسلام طالما لم نبذل نحن المسلمون جهداً اعلاميا مناسباً وقادراً على ايصال الرسالة الاعلامية بالشكل الذي يستطيع فيه الغرب معرفة هذه الدعوة الاسلامية بالاسلوب الذي يستطيع فيه استيعابها.

 

لم اسمع الا في وقت متأخر عن محاولات جادة لتوعية الغرب بالمبادىء الاسلامية، لقد خلقنا الله شعوباً وقبائل لنتعارف، ولو شاء ان يخلقنا من امة واحدة لما كلفه ذلك شيئاً، لكن الحوار والتبادل الثقافي والحضاري هو من اهم ما يثري الحضارة الانسانية، لا بد لنا من توسيع آفاق تفكيرنا لنستطيع فرض احترام الآخرين لنا بالحجة والموعظة الحسنة وليس بتعزيز الهوة ما بيننا.

 

بينما كنت اتجول في بعض المدارس الابتدائية الاسكتلندية في الخريف الماضي، تمت دعوتي لحضور حصة دراسية لمادة التربية الاسلامية، فوجئت بقيام مدرسة مسيحية بتدريس الدين الاسلامي، نظرت الى المقرر الدراسي لاستوضح طبيعة المادة التي يتم تدريسها، فوجئت بدقة المواد وسالت المدرس عن سبب تدريس الطلبة لمادة التربية الاسلامية رغم كونهم مسيحيين، قال لي المدرس وهو رجل دين مسيحي: يجب علينا ان نعلم اطفالنا ان هناك أدياناً أخرى تختلف عن ديننا،  وأن جميع هذه الاديان تدعو الى الى الفضيلة وعبادة الله، يجب ان نعلّم ابناءنا على التسامح الديني وتفهم اديان وثقافات الآخرين لاننا سنعيش معهم في هذا العالم، كما أن نسبة لا بأس بها من المسلمين تسكن في بلدنا، لذلك يجب ان نخطط للمستقبل البعيد كي يستطيع ابناء هاتين الديانتين التعايش سوياً والعمل جنباً الى جنب.

 

مجموعات مغامرة من الشبان المتحمسين، يهبون للدفاع عن قضاياهم الوطنية والقومية والدينية، لكنهم يفتقرون الى الوعي بالابعاد الاعلامية شديدة الخطورة والتي كان لها الاثر الأسوأ على صورة النضال الوطني والكفاح المسلح الذي ظهر بمظهر "الارهاب" والبعد عن التحضر خاصة وأن مشهد الشبان المقنعين يثير الرعب والخوف، حيت يتم بثة عبر الفضائيات الغربية ويشاهده المواطن الغربي الذي يحمل أصلا مجموعة من التصورات السلبية والمغلوطة عن العرب والفلسطينيين والمسلمين، لقد قدمنا خدمة جليلة للاحتلال الإسرائيلي بهذه التصرفات التي أثبتت "إعلاميا" صدق الرواية الإسرائيلية عن الفلسطينيين باعتبارهم " مخربين" غير متحضرين وغير إنسانيين وأعداء الحرية والعالم الحر مثلهم كمثل محور الشر والقاعدة.

 

 وبعد هذا كله، يخرج علينا بعض النشطاء من احزاب وفصائل مختلفة، يخرجون مندفعين اما بحب النبي ورغبتهم في الدفاع عنه، او للانتقام من الدول الاوروبية جميعها على ما قامت به بريطانيا من تواطىء على خلفية قضية تسليم معتقلي سجن أريحا، يخرج الشبان بشكل منفعل ليختطفوا بضعة عشر متطوعاً من المتضامنين الذي تحدثنا عنهم قبل قليل، من هؤلاء الشبان الذين تركوا اهلهم واوطانهم وجاءوا ليقدموا لنا ما عجز الاشقاء العرب والمسلمون عن تقديمه، تأتي هذه الاحداث بشكل عفوي ومنفعل لا يتناسب مع مصالحنا الوطنية، لقد أوقعت هذه الاعمال من الخسائر الاعلامية التي لحقت بصورتنا النضالية الشيء الكثير، تراجعت حدة التأييد الذي كنا قد حققناه، يمكنني القول ان كل ما ننجزه في عام او اكثر من الجهود الاعلامية والالكترونية على الصعيد الغربي تتلاشى وتذوب فور عرض صورة لشبان ملثمين يقومون بخطف احد المتطوعين الغربيين، اننا افضل من يخسر دوماً بل اننا لا نضيع فرصة للخسارة ونعيد ارتكاب نفس الخطيئة، يقولون ان التاريخ لا يعيد نفسه، لكنني اقول: الا مع الفلسطينيين، فهم يكررون نفس الاخطار ولكن بتواريخ متباعدة.

 

***

 

 

نابلس، الجمعة، 17/3/2005

أضف تعليق
تغيير الصورة
تعليقات الزوار
تصميم وتطوير: ماسترويب