الشهيد محمد عزيز حاج علي : عاد إلى فلسطين طلباً للشهادة
الشهيد محمد عزيز حاج علي : عاد إلى فلسطين طلباً للشهادة
الشهيد محمد عزيز حاج علي : عاد إلى فلسطين طلباً للشهادة
عدد القراءات: 2184

تعيد حكاية فارسنا "محمد" إلى الأذهان صورة جيلٍ فريدٍ من المجاهدين الأوائل الذين عمرت أرض فلسطين بأحفادهم يعيدون أمجاد حطين و عين جالوت في زمانٍ آخر .

وُلِد شهيدنا "محمد عزيز" في العام 1975 لأسرةٍ متديّنة ميسورة الحال انتقلت من الكويت لتعيش في الأردن في العام1993 . و نشأ في كنفها نشأة إسلامية صحيحة ، و كان كلما ازداد نضجاً و وعياً و اشتد عوده ، يكثر الحديث عن أرض الإسراء ، و عن جهاد الأعداء ، و نيل الشهادة فوق تراب فلسطين ، حيث كان يقول إنّ حقّ العودة تضمنه البندقية السمراء ، لا القرارات الدولية الجوفاء ، و أخذ كلّ يومٍ يزداد إصراراً على العودة إلى أرض فلسطين التي تهوي إليها أفئدة الملايين .

 

و لما كانت أسرته تستقرّ في الأردن ، قرّر محمد الحضور عام 1994 وحيداً تاركاً خلفه رسالة يقول فيها : "أنا ذاهب إلى فلسطين للجهاد و الشهادة" ، و بعد فترة وجيزة لحقت به أسرته لتستقرّ في بلدة جماعين قرب نابلس ، حيث عمل "محمد" في متجر ، تملكه العائلة ، يبيع الأسمنت و مواد البناء ، قبل أنْ يتزوّج و يرزق بالطفلتين منال و آية .

يصف أهالي بلدة جماعين "محمد" بقولهم إنّه كان شديد التديّن ، دمث الخلق ، بشوش الوجه ، يحبّ مساعدة الآخرين ، شديد الالتزام بصلاة المسجد و خاصة صلاة الفجر ، و كأنّه يعلم أنه قريبٌ جداً من يوم السؤال عن تلك الأفعال .

غير أنّ استقرار "محمد" في العمل و زواجه و إنجابه الطفلين لم يكن يعني أنّه قد أزال من تفكيره حبّ الجهاد الذي كان يتغنّى به و الشهادة التي كان يعشق ..

 

يقول أقارب الشهيد : "كان محمد شديد السرية و الكتمان ، فلم يبدُ لأحدٍ منّا أنّ محمد قد انخرط في صفوف المقاومة رغم أنها كانت دافعه للعودة إلى فلسطين ، و كنّا جميعاً نحسب أنّه قد شغل نفسه بجمع قوت عياله ، حتى اعتقل عددٌ من شبان المنطقة تبيّن فيما بعد أنهم أعضاء خلية عسكرية كان "محمد" عضواً فيها و أنه قد اشترى سلاحه من ماله الخاص ، و كان ينفق على تحرّكاته و تحرّكات خليّته منه ، كذلك قبل أنْ يلتحق بكتائب عز الدين القسام ليشترك بعددٍ من عملياتها النوعية بما فيها عملية مستوطنة عمانوئيل التي قُتِل فيها 11 صهيونياًَ ، و استشهد فيها عاصم أبو ريحان ، حيث كنّى محمد نفسه باسم أبو عاصم تيمّناً بالشهيد عاصم .

 

و يضيف أهالي البلدة أنّه رغم اختفاء محمد أصبح منزله في بلدة جماعين يتعرّض لمداهماتٍ متواصلة من قِبَل الصهاينة ، و ازدادت المضايقات التي يتعرّض لها أهله دون أنْ يتمكّن الصهاينة من الإمساك بمحمد الذي كان حذِراً في تحرّكاته ، فهو لم يكنْ يحبّ ركوب السيارات أصلاً و لم يتّخذ روتيناً لنفسه قبل أنْ ينكشف أمره ، فكيف و قد أصبح مطارداً على قائمة الاعتقال و التصفية ..

أما استشهاد محمد فله حكاية أخرى ، تعيد إلى الأذهان قصة ذلك الصحابي الجليل الذي لحق بالمسلمين تاركاً المال و الجاه و السلطان ، و هدفه أنْ يُرمى بسهمٍ في نحره ليموت شهيداً على ملّة الإسلام .

 

ففي يوم 13/4/2002 و خلال الحملة الصهيونية الكبيرة على الضفة الغربية فيما يسمّى بعملية السور الواقي ، حاصرت قوة صهيونية كبيرة خربة (جراعة) و هي منطقة حرجية كثيرة الأشجار بين بلدة جماعين و قرى عوريف و زيتا ، و قد قدّر سكان المنطقة و المزارعون الموجودون في المكان حجم هذه القوة بخمسمائة جنديّ صهيونيّ حاولوا مفاجأة "محمد" الذي كان متنبّهاً لهم ، فأخذ يتبادل معهم النار لأكثر من أربع ساعاتٍ متواصلة ، و كانت دعواتهم له بالاستسلام تجابه بتصعيد إطلاق الرصاص من طرفه قبل أنْ يستدعي الصهاينة طائرات الأباتشي المروحية التي أخذت تصبّ قذائفها من ارتفاعٍ شاهق على الشهيد الذي راح يتنقّل من مكانٍ لآخر دون أنْ يتوقّف عن الاشتباك حتى أصيب برصاصة من عيار 800 في رقبته ، كانت كافية لفصل رأسه عن جسده و تحقيقِ أمنيته بالشهادة .

 

و كان توقّف صوت إطلاق النار من جانب "محمد" بعد البلاء الحسن الذي أبلاه كافياً للدلالة على انتقال روحه إلى الرفيق الأعلى ، غير أنّ الصهاينة لم يستوعبوا هزيمتهم في تلك المعركة التي حقّق فيها غريمهم هدفه و فاز بالجنة ، فأخذوا يطلقون النار على جسده الهامد بكلّ غزارة إلى أنْ نالت كلّ قطعة من جسده وسام شرفٍ من رصاصهم الجبان ، ليقف وزير خارجيّتهم المجرم "بيرس" أمام برلمان الصهاينة و يعلّق أنّ حكومته قد خلّصت الصهاينة في ذلك اليوم من عدوّين خطيرين لهم و كان يتحدّث عن الشهيد "محمد عزيز" و الشهيد "طاهر جرارعة" الذي سقط في نفس اليوم قرب بلدته عصيرة الشمالية .

 

و لم تُطوَ حكاية "محمد" باستشهاده ، فالشهداء يولَدون يوم رحيلهم ، إذ قام الصهاينة بمداهمة منزله و إخراج أسرته في البرد و العراء قبل أن يقوموا بتفجير المنزل و نسفه انتقاماً من رجلٍ يجهلون أيّ قصورٍ في الجنة استبدل بهذا البيت .

 

أضف تعليق
تغيير الصورة
تعليقات الزوار
تصميم وتطوير: ماسترويب