أين أنتم يا هؤلاء....؟
عدد القراءات: 1356

رافع دراغمه

جامعة النجاح الوطنية

حين كنا نلتقي أيام طفولتنا مع كبار السن، كنا نسمع منهم ما يثلج صدورنا من ذكريات الماضي وقصصه التي تغذي العقول وتنير للأجيال الدروب. قالوا لنا بمفخرة كانت العائلة، كل العائلة أبناء وبنات وحتى المتزوج منا، نعيش في بيت بني من الطين أو الحجر، كلنا تحت سقف هذا البيت ونعيش في فرحة وسعادة، نتشارك الثياب ولقمة الطعام ولا تجد فينا من يتذمر أو  يشكو من صعوبة العيش. أما نحن في هذه الأيام فالشكوى لا تفارقنا، نشكو حتى من الشكوى نفسها،  فمن أولى شروط شريكة العمر أو حتى كما يقولون متطلبات الحياة أن يكون للعروس بيت مستقل، بعيدا عن أسرة الرجل، اقصد أمه وأباه وبيته الذي كان يأويه، أما البيت فليس بيتا من الطين أو الحجر بل يجب أن يكون بيتا يضم غرف النوم والطعام والصالات ومجهزا بكل وسائل الراحة والترفيه، فهل هذا البيت المجهز بكل ما فيه يحقق السعادة التي كان يتمتع بها أجدادنا في تلك البيوت المتواضعة؟ أما العروس، فأبي لم يعرف أمي قبل خطبتها، وبالخصوص حدثونا، والدهشة تعلو وجوهنا، لم نكن نعرف بما تسمونه بالخطبة، كنا نتزوج بمعرفة الأب والأم، ربما لا يروق هذا القول للقارئ، والذي سيقول بان الفشل محتم لمثل هذا الارتباط، وهنا أقول للقارئ العزيز ما رأيك بالعلاقة التي تربط أمك بابيك، هل وجد على وجه البسيطة علاقة تسودها العفة والانتماء والسكن مثل هذه العلاقة الحميمة؟ فالعريس لم يكن يرى وجه عروسه إلا بعد أن تزف إلى بيته، فهل هذا يسمى جهلا؟ أقول ولا أبالي، نحن من يعيش في الجهل رغم العلوم والحضارة، فلا بد أن يسبق الزواج هذه الأيام معرفة ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل يجب أن ترافقه في كثير من الأحيان حتى كما يقولون يفهمها وتفهمه، وكأنك تراهما في حالة زواج. وبعد أسبوع أو ربما اكثر بقليل من الزواج يدب الخلاف في الأوصال. فمنذ أن تزوج أبي بأمي لم اشهد يوما خلافا بينهم، ترى برأيكم من افضل الزواج المبني على السكن والألفة أم الزواج الذي يسوده الخلاف، فيا أسفي على الأيام الخوالي. قالوا لنا كان التعاون بين العائلات والأفراد تعاوننا مميزا يبدأ من موسم الحصاد ويمر بقطف الزيتون وتشييد البيوت، كنا نهب بهمة رجل واحد دون اجر ودون دعوة. أما اليوم فأي نوع من بطاقات الدعوة سترسل إلى من ستدعو للمشاركة في المناسبة بما فيهم القريب القريب من الأهل، وأي زخرفة يجب أن تصمم بها تلك البطاقة. ربما تقول، الدنيا هذه الأيام تغيرت والناس كثيرون، أقول: كانت القلوب في أيامهم اكبر والمحبة اكثر حتى من حبات الرمال التي حنت لنعالهم وخطى أقدامهم، أما الزيتون والحصيد وهبة البيدر فلنقرأ على ما تبقى منها السلام، تدوس الآلة حب الحصيد لتقضي على بركة الموسم، اتخالفونني الرأي بأننا لم نعد نشعر بطعم ما ننتج، تجد اليوم فاكهة البطيخ والبندورة وغيرها من الخضار والفاكهة في غير موسمه، قالوا لنا كنت تشم رائحة البندورة والخيار والشمام من مسافة بعيدة، أما اليوم فيعجبك المنظر ويدهشك المذاق، لتجد أن ثمرة الفاكهة كقطعة ابلاستيكية أو لربما تصلح دمية للزينة. أما العلوم التي يتغنون بها في هذه الأيام، فاستغرب ممن تعلم منهم في السنين الأولى من الابتدائية، يتقن الإنجليزية والتحدث بالعربية، نعم العربية التي لا يتقنها كثير ممن حصلوا على درجات علمية عالية، أوتخالفونني الرأي في هذا؟ وإلا ماذا تعني الدروس الخصوصية والمدارس الخاصة حتى لبعض من يدرس في المعاهد والجامعات؟ هم ما زالوا يحفظون الكثير مما تعلموه رغم طول الدهر وغبار الزمان، أما نحن فالنسيان صفتنا حتى بعد أداء الاختبار بلحظات، أتعرفون لماذا؟ انتم تعرفون ولكنكم تتجاهلون. قالوا كنا نسير على الأقدام مسافات طويلة، ولهذا هم باقون، أما نحن فالسمنة صفتنا، والبعض منا يلجأ لأجهزة الرشاقة كما يقولون، ناهيك عن عدد المركبات الذي يفوق في بعض الحالات عدد  السكان، هذه المركبات تقف على بعد أمتار من باب المنزل لتنقل صاحبها إلى السوق أو مكان عمله الذي لا يبعد عن المنزل سوى أمتار، بالله عليكم افيدوني كيف تكون العافية والعقول مشغولة بالملذات والهموم تحيط بنا من كل حدب وصوب، أما العافية والصحة فحدث ولا حرج، فكل يوم تطل علينا وسائل الإعلام بمرض جديد والكثير من الامراض لا علاج له، نعم رغم العلوم والحضارة لا يجد العلماء علاجا لبعض هذه الأمراض، أسألكم: أين كانت هذه الأمراض زمن الأجداد؟ ومن أوجدها؟ إنه الزائف من الحضارة. قالوا لنا كنا نشرب الحليب الطازج بعد أن نحصل عليه من الماشية مباشرة ونشرب زيت الزيتون والبيض قبل أن تلوح الشمس على وجه البسيطة، عذرا لمن تنفر نفوسهم، ولكنها الحقيقة، كانوا رجالا أقوياء وإلا لماذا هم باقون؟ النخوة والأمانة كانت عنوانهم، لن أمر على هذه الكلمات مر الكرام، بل سأقول ما كنت اسمع ممن قل وجودهم هذه الأيام، حين كان الواحد منهم يحتاج مالا كان يهمس بحاجته في أذن من يجده قريبا ليجد أن المال اصبح بين يديه وان الحاجة قد قضيت، أما اليوم فالأمر مختلف تماما فلا بد من كفيل له رصيد في البنوك ولا بد من وصل أمانة، أتدرون لماذا؟ لانه لم يعد الشخص يثق حتى بأقرب الناس إليه.

 

أين قصص "كان يا ما كان"؟ أتدرون على من اشعر بالحزن والأسى؟ على الجدد، اقصد الأجيال الجديدة التي لم تعد تسمع حكايات ما تبقى من الأجداد، ولا يقتصر الأمر على هذا الحد بل ويعتبرونهم من الماضي ويعتبرون أقوالهم هراء. فشباب اليوم تجده يقول لقد كبرنا على ما يقوله الأجداد ونحن اليوم في عالم آخر، أما أنا فأقول ليتنا ما كبرنا إن لم نسمع للحكاية، الحكاية الحقيقية التي تعلمنا العبر والدروس. وفي الختام أقول: قد يظن القارئ الكريم بأنني ضد الحضارة والعلوم، وهنا أشير بان العلم النافع تزهو به كل الأمم.  فلنبك ونترحم على من مات منهم، ولنبحث عمن تبقى من الأجداد، اقصد عن الحكماء في قولهم، ولنسمع لما يقولون من الحكاية، فأين انتم يا هؤلاء؟                  

 

أضف تعليق
تغيير الصورة
تعليقات الزوار
تصميم وتطوير: ماسترويب