عيادات من القلة
عدد القراءات: 9686

بقلم: علاء ابو ضهير

كرسي بلاستيكي، كرسي ُمنجد تنجيداً قديماً، كرسي آخر مهترىء يعود الى حقبة الخمسينات من القرن الماضي، مقعد خشبي مشابه لأولئك المقاعد الموجودة في المقاهي الشعبية. هذا هو حال غرفة الانتظار في عيادات عدد كبير من أطباء مدينتنا، جدران لم يتم طلاؤها منذ سنوات طويلة، بعضها يتساقط دهانه، وبعضها لم يبق منه الكثير على الحائط. تعتبر بعض عيادات أطباء مدينتنا متحفاً لمحبي الآثار والانتيكا من كنبايات وبوفيهات من عصر الخديوي توفيق، وطاولات مصفحة قديمة ثقيلة جدا قديمة قدم البناء الذي تشققت جدرانه.

توجد في غرفة الانتظار بعض المجلات التي تتحدث عن حفلة فريد الاطرش الاخيرة (الربيع) وآخر أغاني سميرة توفيق ومقابلة فنية مع المطربة وردة الجزائرية بمناسبة صدور أغنيتها الجديدة (في يوم وليلة)، وصور حفل زفاف محمود يس وأول دور بطولة للفنان الصاعد نور الشريف.

بعض عيادات الاطباء لها مصاعد كهربائية، لكنها غير مؤهلة للاستعمال البشري، أعجبتني كلمات علقها أحدهم على باب المصعد، ُكتب عليه: المصعد يعمل، لكننا غير مسؤولين إذا تعطل، صعدت ثلاثة طوابق وانا امسك يد والدتي حتى وصلنا عيادة الطبيب، لا يستثمر الاطباء شيئاً في سبيل خدمة المريض، ولماذا يستثمرون طالما كانت المنافسة شبه معدومة ولا يوجد بديل لهؤلاء المرضى!

أما الدرج، فبعض الدرجات مكسورة وقد يقع المريض أثناء صعودة اونزوله عن الدرج إذا لم يكن مرافقاً من قبل احد اقاربه خاصة وأن الإنارة غير متوفرة ليلاً، الدرجات مليئة بالنفايات وأعقاب السجائر، أما الجدران، فحدث ولا حرج عن معرض للشعارات الوطنية والعاطفية والجنسية، إحذرو العميل فلان، بالكيماوي يا صدام، وحشتني، ذكرى العاشق الولهان، بعيد عنك حياتي عذاب، انت عمري، يا طيب القلب وينك، وحديثاً اصبحنا نقرأ على تلك الجدران أرقام الجوال والبريد الالكتروني وبذلك اصبحت بعض هذه الجدران مواقع غير الكترونية للتشبيك والتعارف بين الجنسين. ناهيك عن اليافطة الحديدية الصدئة التي تم تركيبها على الدرج أو المبنى قبل عشرات السنوات.

في مدينتنا، لا يوجد تلفزيون في معظم عيادات الاطباء، ينتظر المريض ساعات دون وسيلة للتسلية ُتنسيه مرضه ولو مؤقتاً، لذا يبقى المريض أسيراً للتفكير في مرضه وضحية للقلق والخوف بإنتظار لقاء الطبيب، ولا داعي لذكر الحر في الصيف والبرد في الشتاء، إذ لا يوجد مكيف للتخفيف من حدة الحرارة أو مدفئة للحصول على بعض الدفء في الشتاء.

السكرتيرات في أغلب العيادات غير جميلات، لا يبتسمن حتى للرغيف الساخن، تقوم السكرتيرة بإعداد قهوتها دون أن تعرض على الجالسين فنجانا من القهوة، لماذا يتم التعامل مع المريض بإعتباره خرقة ثياب مجعلكة ملقاة على قارعة الطريق، أو ضيفاً غير مرغوب به، أو متسولاً جاء للحصول على الرعاية الطبية التي لا يستحقها، مسكين هذا المواطن الذي ُيقدم عمره وأبناءه وعمله قرباناً للوطن، ويتحمل كل ما لا يمكن تحمله في سبيل البقاء على أرضه، ولا يجود عليه الوطن بخدمة طبية لائقة.

يدخل المريض عيادة الطبيب الذي يعطي الاولوية للاستفسار عن التأمين الصحي، وكأن هذا السؤال سيحدد شكل التعامل مع المريض، ثم يبدأ الطبيب بفحص المريض ويسأله عن الدواء الذي تعاطاه قبل ستة أشهر أو عام، وبالطبع لا يستطيع المريض تذكر إسم الدواء، ثم يسأله عن حساسية هذا الدواء على معدته، فيحتار المريض ويدلي بإجابات غير دقيقة، ويجيب: لقد كانت حبة الدواء حمراء أو بنية اللون، لا اذكر بدقة. لماذا لا تقوم سكرتيرات الطبيب بإعداد قاعدة بيانات خاصة بالمرضى يتم فيها تغذية البرنامج بمعلومات كافية حول صحة كل مريض وما تعاطاه من دواء بالاضافة الى حساسية هذا المريض تجاه بعض الادوية أو وجود أمراض مزمنة لديه وغيرها من المعطيات المفيدة! وبذلك يصبح لدينا أرشيفاً موثقاً لحالة كل مريض تعفينا من التخمين، بحيث تقوم السكرتيرة بطباعة تقرير لأرشيف صحة المريض طيلة الفترة الماضية وتقوم بتسليمه للطبيب الذي يطلع عليه فور دخول المريض، بحيث يعطي هذا الارشيف صورة عن المتاعب الصحية التي مر ويمر بها هذا المريض.

يحصل الطبيب على رسوم تعادل العشرة دنانير من كل مريض ويزوره في اليوم عشرات المرضى والمراجعين بالاضافة الى دوامه في المستشفيات الخاصة والعامة، يتلقى الطبيب دخلاً قد يكون من أعلى معدلات الدخل في الوطن، يعمل أيضاً في تجارة العقارات والأراضي ومختلف أشكال الاستثمار، لكنه يبخل على مرضاه بعيادة لائقة، إن الكثير وليس جميع العيادات الطبية الموجودة في المدينة لا ترتقي الى المستوى الصحي المطلوب، كيف تكون العيادات الطبية غير صحية! تكفي زيارة قصيرة لأي من المرافق الصحية لهذه العيادات (الحمامات) حتى نتأكد من عدم مطابقة هذه العيادات لشروط الحد الادنى من الصحة.

المفارقة في هذا الامر هي أن هذه العيادات خاصة وليست عامة، أي لا يوجد ما يمنع الطبيب من صيانتها وصيانة مدخلها ومرافقها الصحية، ولا توجد بيروقراطية تعيق إتخاذ قرار إستراتيجي كهذا القرار، وطالما ننظر للشكل في معرض حديثنا هنا، فإننا نرى هذا الطبيب أو ذاك يركب أجمل السيارات ويملك أجمل المنازل، في حين أن عيادته لا تليق لحمل إسم عيادة بل هي أقرب الى الدكان منها الى العيادة.

لا ينطبق هذا القول على جميع عيادات الاطباء في مدينة نابلس، إذ توجد عيادات تتمتع بالجودة العالية التي تنافس مثيلاتها في أي من بلدان العالم المتطور، في هذه العيادات يشعر المريض بأنه محترم من قبل الطبيب وذلك لما يحصل عليه من معاملة تليق بكرامتة كإنسان.

أهمس هذه الهمسة في أذن المسؤولين لعلهم يتخذون قراراً بفرض صيانة دورية للعيادات ومداخل الابنية، لا يحق للاطباء النظر للامور على إعتبار أن المريض محتاج للطبيب حاجة ماسة وبالتالي لا مفر سوى الصبر والذهاب الى عيادة الطبيب بغض النظر عن نظافتها، إن تجاهل الاطباء لهذا الأمر يعود على صورتهم بالضرر، ما قيمة أن يتحدث الطبيب لمريضه عن ضرورة غسل اليدين بعناية والابتعاد عن الجراثيم وتعقيم الاطعمة وهو يرى أن عيادة الطبيب دليل انفصام شخصيته التي لا توائم بين ما يتم الحديث عنه وما يتم تطبيقه، فعدم نظافة عيادة الطبيب دليل على إنفصام شخصيته.

إن قيام البلدية ووزارة الصحة بإصدار قرار يلزم هؤلاء الاطباء بصيانة عياداتهم خلال سنة سيوفر مئات فرص العمل للشباب العاطلين عن العمل، لماذا يستمر هذا الظلم الاجتماعي الذي يسمح لهذا الطبيب بإمتلاك أموال طائلة دون وجود نظام ضريبي عادل يأخذ جزءً من المال من الذين في أموالهم حق معلوم لبقية أفراد المجتمع من العاطلين عن العمل، وما أكثرهم.

إن الشكل العام للعيادة يلعب دوراً في صناعة صورة الطبيب في ذهن المريض، ويعتبر هذا الأمر من أبجديات العلاقات العامة، الانسان مجرد صورة، لماذا لا تكون هذه الصورة جميلة تواكب ما لهذا الطبيب من خبرة كبيرة ومنافسة.

أذكر مرة ذهبت الى عيادة طبية في فرنسا، إنتظرت دوري قرابة الساعة في غرفة الانتظار المزودة بتلفزيون ومجلات منوعة ولوحات زيتية جميلة، كانت قاعة الانتظار مقسومة الى قسمين، قسم للبالغين وقسم للاطفال، تم تصميم غرفة الأطفال لتكون قاعة للالعاب، يجلس فيها الطفل دون ملل أو ضجر، كيف نطلب من الطفل أن يصمت ويجلس كالرجال البالغين!

حين دخلت غرفة الطبيبة، وجدتها مبتسمة، إستقبلتني بحرارة ودون تجهم، تحدثت معي عن الطقس وأمور عامة أخرى، إنتقلت بعدها للفحص المفصل الذي إستمر قرابة الثلث ساعة وذلك لتتأكد من صحة تشخيصها لالتهاب اللوزتين الذي أصابني، أعطتني حقي من الفحص والاهتمام، لقد علمت هذه الطبيبة كيف تصنع لنفسها علاقات عامة.

وأخيراً، أيحق لنا أن نتساءل: هل تقمصت العيادات الخاصة نظام العمل المعمول به في العيادات الحكومية! ولماذا تطورت بعض المستوصفات شبه الحكومية لمستوى أرقى من مستوى العيادات الخاصة! الا يحق للمواطن الحصول على خدمة صحية تليق بمستوى تضحياته!

نابلس، 5/7/2009

أضف تعليق
تغيير الصورة
تعليقات الزوار

1

طبيب، نابلس
في البدايه اود ان اشكر كاتب المقال "للعلم معظم عيادات نابلس مرخصه من قبل وزاره الصحه و العيادات الغير مرخصه غالبا تابعه للاطباء العاملين في مؤسسات القطاع العام. بالنسبه للاتعاب حدث و لا حرج (حسبه) المفاصله على قفا مين يشيل مهنه الطب اصبحت مبتذله. مع تمنياتي للجميع موفور الصحه والعافيه

2

وليد حمدان، جده - السعوديه
اشكرك جدآ على صراحتك الرائعه ولك مني اجمل الامنيات . دمتم بخير.... وعاشت فلسطين.

3

ام اوس، طولكرم
الموضوع اعجبني كثيرا واتمنى ان يلاقي اهتماما من المسؤولين ونطلب من وزارة الصحة والاعلام الاهتماما بمثل هذة المواضيع

4

ابن فلسطين، فلسطين
اخي الكريم انت تتحدث عن حدث جلل فانت قمت بزياره عياده خاصه وعانيت مما قلته من طريق العياده والمعاملهوالمناظر المشفقه وقد وضعت مقارنه لطيفه لبلد اخر متقدم لقد ابكاني مقالك فقد قلت هل هذا ما يجب ان يكون وقد اكدت ان الزائر قد يكون عانى من ويلات الاحتلال وانه قد يكون طاعن بالسن ليس هذا الذي ابكاني انما انه ةبعد الكشف الطبي فانت تكون قد خجلت من الطبيب المعالج وان كل ما يدور بذهنك انك تريد ان تغادر هذا المقر الاثري لان نفسيتك قد اختلفت 190 درجه وان حال لسانك يقول لو كان شفائي على يد هذا الطبيب فانا لا اريده اسؤال الذي يجب ان يكون متداولا اين انتم يانقابات؟ اين انتم يا غيورين على مصلحت الشعب؟ اين انتم يا من اصبح موتنا عندكم عادهلاننا فقراء لا تكمل اخي فانت تعلم الا اين منت متجه بينما هنالك مواضيع اعمق واخطر وهي التجاره بارواحنا عن طريق السلع الفاسده التي تغذوا اسواقنا فمنذ ايام كنت انظر لعلبه كاتش اب تاريخها منتهي فاخبرت البائع عن الامر فقال لي كنك ما انتبهت انها حمله والسعر مناسب3بعشره يعني موت والسعر مناسب اطباء موت تجار موت لي رجاء لك اخي اصمت فنحن على موعد مع الموت

5

كلمه حق، بيت لحم
في البدء ان المقال انتقادي هزلي مليء بالمبالغه التي سرعان ما تجد من يضحك لها اذ ان حياتنا قد انقلبت الى مهزله وكوميديا ونقوم بانتقاد بعضنا البعض بشكل مضحك ومخزي اتسائل يا سيدي الكريم وانت في طريقك الى العياده التي تحدثت عنها كم مره بصقت في الشارع ؟ وكم مره رميت باعقاب السجائر؟ وكم مره استعملت زامور سيارتك بسبب او بدون؟ كل هذه المظاهر تجدها بدرت منك او من الذين من حولك بشكل تلقائي وامام ناظريك وقد غضضت عنها البصر المشكله انه اذا امسك احدنا بالقلم ليكتب فانه بشكل عفوي سيقوم بالنتقاد وسينصب نفسه حارسا للمثاليه وكانه اتى من كوكب اخر ؟ قبل ان تصب جام انتقادك على هذه العياده او اخرى هل تسائلت من يملك العماره ؟ وكم يدفع الطبيب اجرها؟ومدى مسؤوليته عن صيانتها؟ وهل قمت بمقارنه مبلغ الكشفيه الذي دفعته في فرنسا بالذي دفعته في نابلس الم يخطر على بالك ان هذا الطبيب او ذاك هو خريج احدى الدول المتطوره وقد رجع الى بلده مفعم بالحماس لتقليد ذلك البلد ومنح المريض الفلسطيني احسن عنايه؟ ولكن قد صدم هذا الطبيب بالجارات الباهظه والحياه الصعبه والمراجعين الذين لا يتوانى بعضهم حتى عن سرقه ساعه الحائط ونرجع ونقول ابحث عن السبب لانه لو واحد مشى وراك في البلد لراى منك الهولات فلست الانسان المثالى والمتل قال هيك مزبطه بدها هيك ختم

6

زهرة الربيع، فلسطين =نابلس
يا ريت هيك وبس كمان اذا كان المريض كبير بالعمر بتعملوا معة على انة و لا شي و على اتة رح يموت و لا يوجد له علاج وفي النهاية تكتشف انة الي بدو يموت يروح على عيادات فلسيطين واطباء ما بعرفوا يعالجوا طب قديم غير متطور و الطبيب ما بتابع التطورات العلمية بس الي درسة و بس قبل 50 سنة يعني الي بدو عناية يروح يتعالج في اسرائيل الي الي بعامل الانسان على انة انسان قبل كل شي مش حيوان الاطباء لازم يروحوا يتعلموا قبل كل شي كيف يتعملوا مع المريض
تصميم وتطوير: ماسترويب