الضحك على الذقون
عدد القراءات: 2273

 

 

موضوع تحدث به الجميع في جلساتهم الخاصة ولم يجرؤ أيٌ من العامة او المثقفين او حتى الأكاديميين على طرحه بقوة او بخجل، موضوع حساس لا يجوز المرور عليه مرور الكرام، إذ أن آلية استخدام المراهقين فيه تتم بطريقة تفتقر الى أدنى مستويات الشعور بالمسؤولية.

 

تقوم بعض المؤسسات السياسية التي تتبعها أجنحة عسكرية باستخدام المساجد قواعدأً لها بعد أن كانت هذه المساجد دوراً للعبادة فقط، تقوم هذه التنظيمات بتشويه أفكار الأطفال والمراهقين بأفكار بعيدة عن الاسلام وروحه، يتعلم المراهقون في المساجد الكراهية لكل ما هو مختلف، ويتعلمون أيضاً ان الآخرين كفار وزنادقة تجب محاربتهم، كما تعلمهم أن هذا المجتمع فاسق مرتد يتوجب القيام بتغيير المنكر فيه بالأيدي مفترضين أنهم وحدهم يمتلكون الحقيقة في حين أن الآخرين ليسوا سوى مرتدين.

 

إن الشريحة التي تستهدفها هذه التنظيمات والحركات السياسية هي الشريحة الاقل ثقافة ووعياً في المجتمع الفلسطيني، شريحة الاطفال والمراهقين الذين تحركهم كلمات عاطفية جياشة تدفع بهم للموت دفاعاً عن قضية لم يفهموا أبجدياتها، بل يقفز هؤلاء المراهقون الى المظاهرات والى الاشتباك مع الجنود الاسرائيليين في معارك غير متكافئة بتحريض من هذه التنظيمات التي ترغب بإشباع عقدة الزهو والفخر لديها بإضافة إسم آخر على أسماء قافلة شهدائها لتنافس الحركات الأخرى وكأن الذكاء يكمن في زيادة عدد الضحايا الذين لم نستطع يوماً احترام دمائهم والتفكير بعقد جلسة لتقييم  مستقبل المشروع الوطني الفلسطيني وأساليب النضال وجدواها وذلك حتى لا تضيع دماءهم هدراً وحتى لا ُتسفك المزيد من الدماء.

 

ندخل المساجد الآن لنجدها مليئة بالشعارت والصور والبوسترات ولوحات الحائط الترويجية، كما يتم استغلال صلاة الضحى والصلوات الخمس ودروس تعليم التلاوة وغيرها من الفعاليات الدينية في سبيل استقطاب المراهقين والاطفال الذين يعانون من فراغ وضياع مزمن نتيجة للظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي يمر بها البلد، ويجد المراهق في المناخ الديني والصوفي مرتعاً خصباُ للهروب من تعقيدات الحياة المدنية وهمومها، لذلك كانت المساجد ملاذاً غير آمن للمراهقين الذين عبثت بمقاديرهم الحياة وضربت الامواج سفينتهم في بحرها المتلاطم، يتم استغلال هذه الطقوس الدينية لاستقطاب وتنظيم الاطفال والمراهقين لفعاليات سياسية، قد تتطور هذه الفعاليات الى نشاطات خطيرة جداً يعلم القائمون عليها انها خطيرة للغاية، كما يعلمون ان الاحتلال يمارس عقوباته الجماعية على عائلات وأقارب وجيران كل من يقوم بممارسة اي عمل ضد الاسرائيليين، لذلك، كيف يقوم أبناء هذه الحركة (الحريصون على مجتمعهم) بإعطار المحتل الفرصة والذريعة لتدمير عشرات الاسر وتشريد عشرات العائلات وهدم بيوتها، قد يقول قائل أن الاحتلال هو الذي يدمر ويقتل لكنني أقول ان معادلة الوضع الحال تؤدي الى نتائج في هذا الاتجاه فلماذا نقوم بفرض أعباء اضافية على مجتمعنا ونحن نعلم العواقب الوخيمة.

 

أين هي وزارة الاوقاف ومديرياتها؟ لماذا لا تقوم بفرض سيطرتهاعلى المساجد التابعة لها رسمياً؟ لماذا لا تمنع تنظيم فعاليات غير دينية في المساجد؟ لماذا تسمح بتحويل المساجد الى مكاتب للتجنيد والتنظيم؟ لماذا لا تمارس هذه الوزارة صلاحياتها وتفرض هيبتها ونفوذها على المساجد! من حقنا نحن المواطنين كتابة عريضة أو وثيقة نوقعها بأسمائنا ونطالب فيها التنظيمات بالكف فوراً عن استدراج أبنائنا إلى شباكها.

 

إن أخشى ما يخشاه الاهالي على أبنائهم هو الانجراف وراء هذه الحفنة من المقامرين والمغامرين الذين لا يرعون في الله لومة لائم، إنهم جماعات سياسية تسعى للكسب السياسي فقط بغض النظر عن الامهات الثكالى والآباء الذين يدمرهم الحزن وخراب البيوت، لقد وعد نشيطوا هذه الحركات الشبان المراهقين العاجزين عن اتخاذ قرارات عقلانية ناضجة في هذه السن الحرجة وعدوهم بالجنة والحور العين إن قاموا بالاستشهاد مفجرين أنفسهم، لا يجوز لنا ان نقف صامتين أمام هذا الموضوع كما إحتج الآخرون وقالوا أن موضوع الاستشهاد موضوع إشكالي يثير الجدل وتهربوا من الخوض فيه وفي ملابساته وتفاصيله، إنني أجرؤ على القول أنني أرفض كلياً هذه الأعمال الاستشهادية التي لا ُتلحق بقضيتنا سوى الدمار ليس على الصعيد الاقتصادي والسياسي فحسب بل أيضاً على الصعيد الإعلامي، إذ أن كل التعاطف الذي نجنيه بسبب التضامن الدولي معنا طيلة فترة الإعتداءات الاسرائيلية على مجتمعنا يتم تضييعها بفضل عملية استشهادية واحدة لا يستطيع الغرب فهمها ولا إستيعابها، إذ كيف يذهب أحدهم الى مطعم ويضع حداً لحياته بهذه البساطه! إن هذه الأعمال لا يمكن أن تندرج ضمن الجهود التي تصب في مصلحة الشعب الفلسطيني وإن كانت قد أحدثت توازناً للرعب مع الاحتلال في فترة من الفترات.

 

كثيرة هي البلدان التي ترفض منح شهادة سياقة لشاب مراهق، كما أن العديد من الدول لا تعطي للمراهقين فرصة للمشاركة في الاقتراع قبل بلوغ التاسعة عشرة او العشرين، كما ترفض الكثير من الدول إعطاء حق الترشح لعضوية المجلس البلدي قبل سن الخامسة والثلاثين، كذلك هو الحال في غيره من المجالس النيابية، والحديث هنا عن دول العالم الحديث والديمقراطي الحر، ولم تأت هذه القرارت من فراغ، بل جاءت نتيجة لتجارب تاريخية أثبت فيها المراهقون عدم نضج قرارتهم وبعدها عن الحكمة، لذلك ليس من حق المراهق أن يتخذ قراره فيما يتعلق حتى بالكثير من الامور التي تتعلق به شخصياً، وأتساءل في هذا السياق، لماذا لا تذهب الحركات السياسية لتنظيم وتجنيد الرجال في سن الخمسين أو الستين وقد عاشوا ما يكفيهم من العمر؟ الجواب واضح تماماً، إذ لا يقوم عاقل بمهمة كهذه وليس من السهل الضحك على ذقون الرجال، بل الاطفال هم دوماً حطب المعركة ووقودها.

 

لقد أثبتت اساليب النضال اللاعنفي جدواها في العديد من البلدان التي ناضلت ضد الاستعمار سواء في الهند او في جنوب افريقيا، لقد برهنت هذه الاساليب قدرتها الكبيرة على تجريد المحتل الغاصب من اساليب تفوقه العسكري وذلك بإمتلاك آلية سلمية للنضال تعتمد على الإعلام وتنظيم الفعاليات التي ُتحرج المحتل أمام عدسات الكاميرا بالاضافة الى تنظيم الكثير من الفعاليات التي لن يستطيع المحتل إيقافها، لم يكن العالم في أي وقت مضى يجرؤ على انتقاد دولة اسرائيل التي بقيت خطاً أحمراً لا يجوز إنتقاده، لكنني أرى وأسمع واتابع أخبار مئات المؤسسات والمنظمات الدولية الرسمية وغير الرسمية التي تقوم بتنظيم الفعاليات والنشاطات التضامنية مع المجتمع الفلسطيني وحقه في الحرية والاستقلال، إن هذه المؤسسات تنتقد دولة الاحتلال الاسرائيلي بشكل يومي ولا تتوقف عن الاعلان صراحة عن مواقفها، ويستطيع أي متابع للاخبار المنشورة الكترونياً ان يقرأ تقارير مفصلة عن نشاطات هذه الجمعيات وجهودها الخيرة في الدفاع عن قضيتنا، لقد حقق الشعب الفلسطيني انجازات إعلامية جيدة خلال مسيرة نضاله الممتدة لأكثر من نصف قرن، فلماذا نهدر هذه الإنجازات ولماذا نتفانى في تشجيع أصدقائنا في العالم على التخلي عنا بتأييدنا للعمليات الاستشهادية؟ إن هذا التضامن الدولي ناتج عن الجهود الإعلامية التي قامت بها العديد من المؤسسات والجمعيات الانسانية والإجتماعية المنت

 

 

أضف تعليق
تغيير الصورة
تعليقات الزوار
تصميم وتطوير: ماسترويب