الشهيدان فادي و أيمن أبو زنط : عاشا كالتوأم و أصرّ أحدهما على اللحاق بالآخر
عدد القراءات: 2100

 

في ديوان الياسمينة ، أحد أقدم أحياء البلدة القديمة من نابلس ، جلس الحاج أبو صالح والد الشهيدين أيمن و فادي أبو زنط يستقبل المهنّئين باستشهاد نجله الثاني فادي ، أجواء الحزن و الحداد غابت عن المكان إلا في قلب عيونٍ طالما ارتقبت موعداً لرحيل الحبيب ، لحظاتٌ من الصمت راح بعدها الوالد يستذكر أيام عائلته الخالية التي ودّعت ابنيها و هما في ريعان الشباب .

 

يقول الوالد أبو صالح : "قبل أنْ تعبث أصابع الاحتلال في بلادنا و بيوتنا و عائلاتنا كنّا نعيش بأمان" .

و ما يحسّ به أبو صالح هو شعور أيّ أبٍ يجد عائلته تتناقص من ستّ أبناء إلى أربعة ، فقبل سبعة أشهر و في السادس عشر من شباط استشهد نجل "أبو صالح" الأول (أيمن) خلال مواجهاتٍ و اشتباكاتٍ عنيفة في وسط نابلس ، لم يكن أيمن قد ذهب لمواجهة الصهاينة أو ملاحقتهم أو لتنفيذ عملية مسلحة ضدّهم ، إنما كانوا هم من حضر إلى قلب مدينته و قتلوه مع ثلاثة آخرين كانوا يدافعون عن مواطنٍ آخر هو تيسير خالد عضو اللجنة التنفيذية لـ "م.ت.ف" .

 

أمّا الآن و بعد سبعة أشهر على استشهاد أيمن و رحيله فقد حضر المحتل مرة أخرى ليحرم عائلة أبو زنط نجلها الثاني فادي و الذي يقول سكان البلدة القديمة من نابلس إنّه لم يكن يحبّ أنْ يفارقها بل إنّه كان أحد معالمها المعروفة ، غير أنّ القوات الصهيونية دخلت إليه لتغتاله و تسرق حياته ، حيث يقول صالح شقيق الشهيدين أيمن و فادي : "بعد استشهاد أيمن لم يكنْ فادي يستطيع مواصلة الحياة ، لقد كان يعيش مع شقيقه حياة زمالةٍ و رفقة ، لدرجة أنّه كان شديد الحزن مع كلّ يومٍ يمرّ بعد رحيل أيمن و بقائه و هو يتعجّل اللحاق بشقيقه ، والد الشهيد "أبو صالح" و الذي يعمل في بلدية نابلس عاد للحديث عن ولده الشهيد الثاني و هو يتذكّر مسيرة حياة طويلة تركت بصماتها على الجدران المتداعية في البلدة و هو يقول : "رحمك الله يا فادي ، لقد نلت ما تمنّيت ، ترك المدرسة و هو صغير و قال لي (سأعمل لمساعدتك يا أبي) ، و كان شديد التديّن" .

 

و مع بداية الانتفاضة الحالية كان فادي أحد المشاركين بها بعد انتمائه لكتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح قبل أنْ يشارك في عملية الدفاع عن البلدة القديمة أمام الاجتياح الصهيونيّ لها في نيسان العام الماضي و يصبح مطارداً للقوات الصهيونية التي اعتبرت بيته في نابلس القديمة هدفاً تحاول اقتناص أيّ فرصةٍ لاعتقاله منه .

 

بقيّ فادي مطارداً لقوات الاحتلال يحمِل سلاحه و يتنقّل في البلدة القديمة لسنتين ، و رغم حداثة سنّه الذي لم يتجاوز التسعة عشر عاماً عند استشهاده فقد وصفه الكثير من أقاربه المجتمعين في بيت التهنئة باستشهاده بأنّه صلب المراس شديد البأس لا يهاب ، و استذكروا للتدليل على ذلك حادث إصابته برصاصةٍ في رأسه يوم استشهاد شقيقه أيمن حين كان يحاول اختطاف سلاح أحد الجنود الصهاينة من داخل سيارته العسكرية قبل أنْ يطلق عليه جنديّ آخر النار .

 

و يعود والده للحديث عن فادي ، و هذه المرة مؤكّداً على شجاعته و صلابته  بالقول : "منذ زمنٍ بعيدٍ لا يأتي فادي إلى البيت و لا ينام فيه و لا نراه إلا على مداخل البلدة و في أزقّتها و هو يحمل السلاح حتى كانت الخامسة فجراً من يوم الثلاثاء (16/9) حين وصلني نبأ استشهاده ، لقد اشتبك مع القوات الصهيونية الكبيرة في المداخل الغربية للبلدة القديمة ، و اشتدّ الضغط عليه فانسحب مع رفاقه إلى مداخل البلدة الشرقية و هناك اصطدم مع قواتٍ من الوحدات الخاصة الصهيونية ، كان فادي مراوغاً جيّداً انسحب من عدّة مواقع بنجاحٍ رغم إطباق الحصار عليه ، و استمع طويلاً إلى نداءات السماعات له بالاستسلام دون أن يفكّر بتلبية ذلك و لو لدقيقة حتى أصابته قذيفة أنيرجا قرب باب الساحة في البلدة القديمة و استشهد ليرحل إلى المقام الذي أحبّ و للقاء شقيقه الذي أضناه فراقه" .

 

تم طباعة هذا المقال من موقع مدينة نابلس الالكترونية: واجهة نابلس الحضارية على شبكة الانترنت (nablus-city.net)

© جميع الحقوق محفوظة

(طباعة)