الشهيدان عامر و علي الحضيري : ودّعا أمّهما الصابرة قبل استشهداهما بدقائق
الشهيدان عامر و علي الحضيري : ودّعا أمّهما الصابرة قبل استشهداهما بدقائق
الشهيدان عامر و علي الحضيري : ودّعا أمّهما الصابرة قبل استشهداهما بدقائق
عدد القراءات: 3320

  

نابلس – تقرير خاص :

لم تكنْ أمّ علي تعلَم أنّ ولدها الذي يلحّ عليها أنْ تدعوَ له بالشهادة هو هدف طائرات الأباتشي الصهيونية الملتصقة في سماء المدينة الواقعة في مرمى نيران القناصة .

 

ففي يوم الأحد 5/8/2001 حضر عامر إلى البيت ليخطف لقاء بأسرته ، اعتاد أنْ تخطفه منه أشغاله الميدانية و مهماته الجهادية ، و أخذ يطلب من أمّه أنْ تدعو له بالشهادة محاولاً إقناع قلب الأم بمنزلتها العظيمة و مكانتها الرفيعة في الجنّة إنْ نال ابنها الشهادة ، و أخيراً و تحت إلحاحه الشديد دعت الوالدة الله أن يتقبّل ابنها شهيداً عنده ، فقبّل رأسها و خرج ، و ما هي إلا لحظات قليلة حتى دوّت ثلاثة انفجاراتٍ كانت كافية لجعل الأم تدرك أنّ باب السماء كان مفتوحاً عند دعائها .

كان عامر الذي اعتاد أنْ يبقى متوضئاً قد انطلق بسيارته في شارع شويكة عندما فاجأته المروحيات الصهيونية الغادرة بثلاث صواريخ من النوع الحارق ، نجح عامر في مراوغة الأول و تفاديه قبل أنْ يصيب الصاروخان الآخران السيارة بشكلٍ مباشر لتشتعل السيارة باللهب و يحترق جسد عامر بعد أن صعدت روحه إلى بارئها ، لتكون نارهم الحاقدة رسالةً لمن شهد الحادث بأنّ نار الصهاينة قد تحرق الجسد لكنّها مفتاحٌ مقدّس للجنة أمام أرواح الشهداء .

  

لقد كانت الأم تعلم أنّ فتاها الورديّ يحبّ الأرض و يعشق الشهادة ، و كم أخبرها أنّه رغم حبّه لها و لوالده فإنّه يتوق إلى الفراق و الرحيل إلى مقامٍ أسمى و مكانٍ أعلى ، إلى السادة الكبار مع النبيّين و الصديقين و الشهداء و الصالحين ، حدّثها طويلاً أنّه قد اشتاق لرفاقه الراحلين ، حدّثها عن فواز بدران و أحمد عليان و محمود مرمش و زميله في جامعة الخليل نبيل خاطر .

 

و ككلّ الحكايا التي تكتبها دماء القساميين في أسفار الخلود ، كان لدماء آل الحضيري قصة و حكاية صاغها الوجع المتمرّد على ظلم القيد لتحاكي روعة دمائهم و شرف بطولاتهم بلون الدم و ريح المسك و عنفوان الشباب المشتعل حماساً لساعة اللقاء . ففي بيت هذه العائلة الشامخ في قلب الساحل الفلسطيني وُلِد الأخوان (عامر و علي) شقيقان لا ثالث لهما .

أمّا والدهما الأكاديمي المعروف الأستاذ "منصور حسن حضيري" محاضر في كلية الزراعة في جامعة النجاح ، و نائب عميد كلية فلسطين التقنية – خضوري .

 

أمّا والدة الشهيدين أم علي فمربية فاضلة و مدرّسة بارعة أثبتت الأيام أنها و زوجها من خير المربّين الذين يجود الزمان بمثلهم ، فمن أفضل ممّن يربّي ولديه الوحيدين ليكونا شهداء ..

يتحدّث والد الشهيدين عن حياتهما قائلاً : "إنّ علامات الشهادة بدت على ولديه منذ نعومة أظفارهما ، فعليّ و عامر قد فتحا عيونهما داخل المسجد يلتحقان بدورات التجويد و يحصلان على مراتب عليا فيها ، و يحفظان القرآن الكريم و لا يفوّتان عملاً فيه فائدة و منفعة خاصة إذا كان عملاً روحياً" .

 

و يضيف الوالد بصوتٍ لم ينهكه فقدانه لولديه الوحيدين ، أنّ انتماءهما لحماس بدا واضحاً أيضاً منذ طفولتهما و من خلال نشاطهما المتميّز في صفوف الحركة الطلابية الاسلامية ، و فعاليات الحركة الميدانية ، حيث يقول إنّه طالما كان و بدافع الأبوّة يطلب إليهما الهدوء و الحفاظ على نفسيهما غير أنهما كانا ينظران للحياة نظرة جليلة و عظيمة و يعتبران الحياة الحقيقية فعلاً هي في الشهادة ، و هذا ما كان ، حيث أضاف الوالد : "أنا أعتبر أنّ ولديّ قد حصلا على أمنيتها الكبيرة ، و نالا مطلبهما بالحياة العزيزة الكريمة في عليين" .

 

أمّا أم علي فهي ككلّ الأمّهات الفلسطينيات اعتقل ولدها الأكبر "علي" و هو في السابعة عشر من عمره ، و بعد أيامٍ تبعه عامر ابن الصف العاشر في ذلك الحين ، حيث مكثا في المعتقل ما يقارب العام ، تقول أمّ علي : "حين كنت أذهب لزيارة ولديّ داخل السجن كنت أتطلّع للتخفيف من آلامهما فيفاجآنني بالصبر و التجلّد رغم أنّهما كانا طفلين في ذلك الحين ، أمّا اليوم و قد رحلا إلى الجنة فلا يصبّرني على فراقهما إلا الإيمان بأنّهما قد قضيا شهداء و بأنّ لقائي بهم قريب في الجنّة إنْ شاء الله" .

 

و بعد خروجهما من السجن عاد عامر و علي إلى المدرسة و عرين "حماس" من جديد قبل أنْ يلتحق علي بجامعة النجاح الوطنية لدراسة الهندسة ، و بعد ذلك بعامٍ التحق عامر بجامعة الخليل لدراسة المحاسبة حيث كانا من نشطاء الكتلة الإسلامية في جامعتي النجاح و الخليل .

يقول والد الشهيدين علي و عامر : "إنّ عامراً قد اعتقل مرّةً أخرى أثناء دراسته في جامعة الخليل بعد اعتقال صديقه أيمن قفيشة قائد خلية صوريف من كتائب القسام" .

 

و عن تلك المرحلة الاعتقالية يقول أحد المعتقلين الذين التقوا عامراً في زنازين الجلمة خلال التحقيق معه : "إنّ عامراً كان مصدر إزعاجٍ دائمٍ للمحقّقين ، ففي ممرّات (الشبح) يسمع جميع المعتقلين صوت عامر و هو يصرخ "احذروا الاعتراف ، و الإنكار أقرب الطرق إلى الدار" ، و غيرها من الكلمات التي تقوّي عزيمة الأسرى و ترفع درجة التحدّي و الصمود لديهم و تصعّب على الجلاد دوره في نزع الاعتراف من صدورهم" .

 

و يضيف ذلك الأسير أنّ عامر قد فقد في كثيرٍ من الأحيان سمعه و أحياناً بصره و دخل مراراً مراحل غيبوبة بسبب شدّة التعذيب الذي تعرّض له دون أنْ يقول كلمة واحدة ، حيث عُرِف بصمودٍ أسطوريّ في التحقيق .

أمّا عليّ فلاستشهاده حكاية أخرى ، فبعد عملية (كفار سابا) الرابعة في عهدة القسام العشرية ، وجّه الصهاينة الاتهام لعليّ كأحد أعضاء الخلية المسؤولة عن تلك العملية ، و اختفى عليّ عن الأنظار لفترةٍ طويلة حتى صباح يوم 3/5/2002 حين دقّ جرس الهاتف في منزل آل الحضيري ، و ما إنْ رفعت الأمّ سماعة الهاتف حتى غرّد في أذنها صوت الحبيب علي و هو يقول : "أنا في اشتباك ، و خياري الاستشهاد ، لا تبكي و لا تحزني فأنا أنظر إلى قتلاهم و أرى مصارعهم و قريباً أراك عند عامر في الجنة" .

 

و قبل أنْ تجيب الوالدة الملهوفة بكلمة واحدة ، كان عليّ قد أطلق العنان للروح لتفيض إلى بارئها ، و أطلقها من سجن جسده النحيل إلى في فردوس السماء ، تاركاً للأرض أنْ تنعم باحتضان جسده الذي طالما صال فوقها و جال .

يقول والد الشهيد في حفلٍ أقامته الكتلة الاسلامية لتخريج دفعة عليّ من طلبة الهندسة : "أبارك لزملاء عليّ تخرّجهم فكلّهم أبنائي ، و أبارك لنفسي تخرّج عليّ و حصوله على الشهادة السماوية ، و أقول لكم بصراحة رغم أنّني أبٌ إلا أنّني كنت أحترم عليّاً في حياته و هو ولدي و اليوم أنا أجلّه لنفس السبب الذي كنت أحترمه فيه في حياته و لأنّه قد نجح في تحقيق الهدف الذي رسمه لنفسه" ..

 

 

تم طباعة هذا المقال من موقع مدينة نابلس الالكترونية: واجهة نابلس الحضارية على شبكة الانترنت (nablus-city.net)

© جميع الحقوق محفوظة

(طباعة)