الشهيدان حدايدة و خريوش : مسيرة جهادية مباركة و شهادة شهدت لها أعراس السماء
الشهيدان حدايدة و خريوش : مسيرة جهادية مباركة و شهادة شهدت لها أعراس السماء
الشهيدان حدايدة و خريوش : مسيرة جهادية مباركة و شهادة شهدت لها أعراس السماء
عدد القراءات: 1956

رهبان ليل... يتواثبون إلى الطعان يسابقون إلى الجنان، هاموا بالحان الرصاص وغيرهم يهوى القيان، عزماتهم مثل الجبال وقلبهم فيض الحنان.

على درب الشهداء والخالدين، مضى الشهيدان عادل حدايدة وهاني خريوش تحزموا بالإيمان وتزودوا من القرآن وتمسكوا بوصية العزام "موتوا شهداء".

 

الشهيد حدايدة : لن يهدأ لي بال حتى ألحق بالركب

في مخيم طولكرم ولد الشهيد عادل محمد إبراهيم حدايدة في العام 1975 لأسرة متدينة عرف عنها التقوى والصلاح،ولم يتمكن عادل من إتمام دراسته لمساعدة أهله  في تحمل أعباء الحياة التي تثقل كاهل الشعب الفلسطيني وخاصة اللاجئين الذين رحلوا عن أرضهم وديارهم وأوطانهم لتصبح الخيام موئلهم بعد أن تركوا الأرض التي كانوا يعتاشون من خيرها وبركتها.

 

ترك عادل المدرسة واخذ يعمل  في البناء وعرف المساجد حيث كان من رواد مسجد السلام في مخيم طولكرم، يستمع إلى حكايات الشهداء هناك، ويشارك في سجود المحراب وقيام الساعات الغالية في جوف الليل يدعو الله ويسأله حسنة الدنيا والآخرة.

 

ومع انطلاق الانتفاضة المباركة كان عادل احد نشطاء حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في المخيم، يشارك في المواجهات ويتصدى لعمليات الاقتحام والاجتياح ويقدم العهد والوفاء في وداع كل شهيد ويرفع قبضات الثأر والتعهد بالانتقام إلى جانب إخوانه القساميين الشهداء وخاصة رفاق دربه الشهيد القسامي طارق عبد ربه والشهيد القسامي هاني خريوش.

يقول أقارب الشهيد وأصدقاؤه الذين عرفوه منذ نعومة أظافره انه كان حيي الخلق شديد التعلق بأصدقائه وفيّا لهم حريصا على تقديم كل ما يملك لرسم السعادة والبشاشة على وجوههم وكانت علاقته مع أصدقائه من القوة والمتانة إلى الحد الذي كان يطمع فيه أن يستشهد قبل أن يرى فيه احدهم محمولا على الأكتاف لئلا تثار الحسرة في نفسه على فراقهم.

كما عرفه الجيران والأهل والأقارب بالنخوة وحب المساعدة لهم على قضاء حوائجهم وهو ما دفعهم لاحترامه وأكسبه ودهم.

 

أما شقيق الشهيد فقد وصفه بأنه كان مدرسة في الكتمان لا يكثر الحديث فيما لا يفيد رافعا شعاره (انصف أذنيك من فيك).

ويصف من يعرفون عادل بشدة الحس الأمني والاهتمام بإحاطة عمله الجهادي بدائرة شديدة من السرية وهو ما قاده للنجاح في عمله العسكري تحت إطار كتائب القسام حيث بقي ضمن الجهاز السري لأكثر من عامين دون انكشاف أمره ودون تعرضه للاعتقال أو حتى للمطاردة.

 

وعن حبه للشهادة يصف شباب المسجد عادل بأنه كان شديد التعلق بها ساعيا لتحقيقها لنفسه باذلا في سبيل ذلك كل جهد، حيث كان دائما يقول إن هذه الحياة ليست للمؤمن إلا سجنا وصحراء مقفرة وان الحياة الحقيقية هي تلك التي ينعم بها الشهداء.

وقد شوهد اكثر من مرة وهو يبكي خلال صلاته رافعا يديه بالدعاء أن ينال الشهادة حتى اختفت آثاره قبل استشهاده بأسبوعين بعد أن زار الأقارب والجيران وكانت نظراته لشقيقه وإخوانه الأربعة تخفي أن هذا الرحيل هو الأخير والذي لا عودة عنه إلا بأن يظفر بإحدى الحسنيين وقد كان.

       

الشهيد خريوش :رحل جسده وبقيت يده شاهدة على الموقعة

ولد هاني عبد الفتاح خريوش في 22/11/1978 في قرية الجفتلك قبل أن ينتقل مع أسرته للعيش في مخيم طولكرم في العام 1988، وتتكون أسرته من سبعة عشر نفرا منهم  احد عشر شابا وأربع أخوات إضافة إلى الوالد والأم.

التحق الشهيد هاني بحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في مرحلة مبكرة من حياته حيث عرف عنه انخراطه في العمل المسجدي كأحد عناصر حماس الناشطين في هذا المجال.

ورغم عدم إكماله لدراسته بعد حصوله على الثانوية عرف الشهيد هاني بثقافة عالية وحسن اطلاع على قضايا المواطنين واهتمام كبير بأمور المسلمين في كل أنحاء العالم، فقد كان شديد التأثر بعذابات الأمة الإسلامية يتمعر وجهه غضبا لانتهاك حرمات الله عز وجل.

 

وقبل التحاقه بالمقاومة قام هاني بخطبة إحدى قريباته من الأردن غير انه اضطر لفسخ الخطوبة بعد أن أصبح مطاردا في كتائب الشهيد عز الدين القسام.

لقد كان هاني واضحا في هذا الجانب، فقد اختار الجنة بما فيها من نعيم مقيم وحور عين وقصور في فردوسها الأعلى وأكد أكثر من مرة انه لم يلتحق بكتائب القسام إلا للحصول على وسام شرف الشهادة إلى جانب إخوانه الشهداء القساميين عامر الحضيري ومؤيد صلاح الدين وعبد الباسط عودة وغيرهم الكثير الكثير من الشهداء، وكأنه يريد بذلك أن يحقق بعد 14 قرنا مقولة ذلك الصحابي الجليل الذي أشار إلى عنقه وهو يقول للرسول عليه الصلاة والسلام إنما اتبعتك لأرمى بسهم ها هنا.

 

كان الشهيد هاني محافظا على صلاة المسجد والجماعة شديد الحرص على قيام أوقات من الليل وصيام النوافل ولم يعرف عنه ترك صيام أيام الاثنين والخميس، كما كان يحفظ القرآن الكريم رغم عدم إفصاحه عن ذلك وإحجامه عن المشاركة في المسابقات التي تقام في هذا المجال سعيا وراء كتمان هذا الأمر علّه يقابل الله به شاهدا على صدق توجهه وإخلاص نيته.

أما من عرفه من إخوانه فقد تحدثوا عنه مستذكرين بطولاته وعزة نفسه وأنفته حيث كان دوما يقول انه يقبل أن يموت ألف ميتة في سبيل الله على أن يستجيب لنداء يدعوه لتسليم نفسه إلى الصهاينة، وهذا ما هيّأ أهله وأقاربه وكل من عرفه انه قد صار شهيدا بانتظار التنفيذ.

 

تفاصيل الجريمة

أحاطت جريمة اغتيال الشهيدين عادل وهاني حالة من الضبابية وعدم الوضوح في كثير من  جوانبها، فبينما قالت المصادر الصهيونية إن وحدات خاصة نفذت عملية اغتيال بحق الشهداء أكد عدد من ساكني الحي الجنوبي في بلدة عتيل التي استيقظت على أصوات الرصاص والانفجاريات أن اشتباكا طاحنا دار بين أعضاء المجموعة القسامية التي ينتمي لها الشهيدين والقوات الصهيونية، وان الجنود الصهاينة قد استخدموا القذائف والقنابل والرصاص الثقيل في قصف الموقع الذي تحصن فيه أفراد المجموعة حتى استشهاد عادل وهاني بعد 4 ساعات على بدء الاشتباك.

ويقول نصر خريوش شقيق الشهيد هاني إن أمر استشهاد شقيقه ما زال غامضا، وبأنه قد توجه بنفسه إلى موقع الاشتباك بعد أن علم باستشهاد هاني غير أن ذلك لم يسعفه بالحصول على تفاصيل دقيقة حول ما جرى.

ويضيف إن كل ما يعلمه هو أن شقيقه قد استشهد برفقة زميله الشهيد عادل حدايدة في حين لا زال مصير ثالثهما "كمال الشلبي" مجهولا.

 

وبداية أعلن النبأ كانت من قبل المصادر الصهيونية التي أعلنت عن استشهاد شخص وإصابة آخر واعتقال ثالث كانوا متوجهين لتنفيذ عملية استشهادية في إحدى المدن الصهيونية، في الوقت الذي أكد فيه سكان المنطقة من الذين شاهدوا الحدث أن الشهداء كانوا ثلاثة احدهم كان مصابا وقام الجنود بتصفيته.

ويروي احد سكان المنطقة أن الجنود الصهاينة طلبوا إليه دخول الموقع الذي استشهد فيه عادل وهاني لإخراج جثتيهما وانه قد وجد هناك شابا ثالثا مصابا بجراح خطيرة ، وما أن اخرج أشلاء الشهيدين حتى قام ضابط صهيوني بإشهار سلاحه وتصويبه إلى رأس الجريح كأسلوب تحقيق ميداني مستغلا إصابته للضغط عليه وابتزاز الاعتراف منه ومهددا بقتله إن لم يتجاوب مع الأسئلة التي يطرحها عليه.

وأضاف يقول انه بعد لحظات من خروجه سمع صوت طلق ناري قريب ما دفعه للاعتقاد انه قد تمت تصفية الجريح، غير أن الجنود سرعان ما عادوا إليه طالبين نقل جثماني الشهيدين إلى إحدى السيارات العسكرية فيما نقل الجريح إلى سيارة أخرى وكان لا يزال على قيد الحياة.

 

لملم يا موت شظايانا

أما عن بدء الجريمة فقد اقتحم أفراد القوات الخاصة الصهيونية ليلا منزلا في الحي الجنوبي من قرية عتيل، وكان بعض الجنود يرتدون الأقنعة على وجوههم ما يشير كونهم من أفراد القوات الخاصة.

وبادروا الحاجة حسنية علي ذيب صاحبة المنزل بطلب الخروج منه بعد أن سألوها عن وجود شبان داخل المنزل فأجابتهم انه لا يوجد غيرها وزوجها المقعد.

 

غير أن الضابط أصر على خروجها من المنزل بسرعة ،فأبلغته بعدم قدرتها إخراج زوجها لكنه أصرّ على ذلك فاضطرت لحمله والخروج به قبل أن تفتح جبهة في المكان حسب وصفها، إذ أنها وبمجرد أن خرجت من البيت سمعت أصوات الرصاص والتفجير في كل مكان قبل أن تكتشف أن الهدف المقصود كان غرفة لأعلاف المواشي اعتقد الجنود أن الشبان داخلها.

 

وفي المخزن الصغير الذي استشهد فيه هاني وعادل واعتقل منه الجريح (كمال الشلبي) كانت رائحة الشهادة تفوح من كل جانب، فرغم حرص الجنود الصهاينة على إخراج أشلاء الشهداء وجمعها بقيت بعضها عالقة بالتراب لتختلط بالدماء وآثار التفجيرات التي تركتها القنابل والقذائف بعد أن حولت المكان إلى جحيم حيث وجدت يدين يمينيتين بترتا عن أجساد الشهداء خلال الاشتباك.

ويؤكد أقارب الشهيدين أن القوات الصهيونية قد رفضت تسليم جثامين الشهداء إلى أهلهم فيما نقلت اليدان إلى مستشفى طولكرم بانتظار عودة جسدي الشهيدين .

 

رحل هاني وعادل ... وانتقلا إلى عالم الشهداء في السماء، غير أن اليدين الطاهرتين اللتين حملتا السلاح أصرتا على البقاء فوق الأرض رغم حرص الجنود الصهاينة على عدم ترك أي من أشلاء الشهداء في المكان.

بقيت اليدان بعد رحيل الشهداء لتقول لكل الناس إن اليد التي تحمل السلاح وتتوضأ في انتظار الفجر وتحسن حياكة الكفن وتتقن حمل السلاح ، قادرة حتما على البقاء والانتصار رغم الجراح.

 

تم طباعة هذا المقال من موقع مدينة نابلس الالكترونية: واجهة نابلس الحضارية على شبكة الانترنت (nablus-city.net)

© جميع الحقوق محفوظة

(طباعة)