الشهيد محمد الغول : ترجّل لتبقى أناشيد الحياة أكبر من أغنية الموت
الشهيد محمد الغول : ترجّل لتبقى أناشيد الحياة أكبر من أغنية الموت
الشهيد محمد الغول : ترجّل لتبقى أناشيد الحياة أكبر من أغنية الموت
عدد القراءات: 1877

لم يكن في حسابات أحدٍ من الحاضرين لحفل التخرّج الذي أقامته الكتلة الإسلامية في جامعة النجاح الوطنية أنّ الطالب محمد هزاع الغول كان يرثي نفسه في كلمة الخريجين التي ألقاها بالجموع لتكون كلمة الوداع و التأبين.

 

فقبل عامٍ من الآن كانت فلسطين على موعدٍ مع رحيل فارسٍ طالما أحبّت صلاته في جوف محاريبها ، و تردّدت تراتيله في أرجاء جنباتها ، فهذا الشهيد الذي وُلِد في مخيّم الفارعة قرب نابلس في العام 1978 لأسرةٍ متديّنة عُرِف عنها التقوى و الصلاح ، و أحبّ ارتياد المساجد منذ أنْ كان صغيراً ليلتحق بحركة المقاومة الإسلامية حماس و يكون أحد الناشطين بين أشبالها قبل أنْ يحفظ القرآن الكريم كاملاً و يُتقن أحكام تلاوته و ترتيله ليلتحق بجامعة النجاح الوطنية لدارسة علوم الفقه و التشريع في كليّة الشريعة حيث تفوّق في دراسته و كان الأول على دفعته عند تخرّجه من الجامعة في العام 2002 .

 

و خلال الدراسة كان محمد أحد الناشطين و الفاعلين في صفوف الكتلة الإسلامية و انتخب رئيساً لنوادي كلية الشريعة بعد أنْ كان أمير الكتلة الإسلامية فيها و قد عُرِف عنه شدّة الالتزام و الحرص على الوفاء بالعهود و المواثيق التي كان يقطعها على نفسه و شفافيته العالية في التعامل مع الناس و طيبة قلبه اللافتة للنظر و تعلّقه الشديد بتلاوة القرآن الكريم و صلاة النوافل و حرصه على أداء الفرائض جماعية ليكون بذلك صورة حيّة للشاب الملتزم الهادئ الوقور .

 

نجح محمد في حياته العملية نجاحاً كبيراً حين تخرّج من دراسة الشريعة و أنهى خطة البكالوريوس في قسم الفقه و التشريع بتفوّقٍ و امتياز و بترتيب الأول على دفعة الخريجين في العام 2002 و منحته الجامعة منحة لمواصلة دراسته فالتحق بكلية الدراسات العليا ، فقد كان يعلم أنّ الناس يحتاجون إلى من يعلّمهم أمور دينهم و يحتاجون كذلك إلى من يعلّمهم التضحية و الفداء ، فكان محمد رجل العلم و الإيمان و رجل السلاح و الميدان و ابن كتائب القسام .

 

و قبل أنْ ينفّذ محمد عمليّته الاستشهادية و ينال ما عاش يحلم بتحقيقه ألقى كلمة الخريجين في حفل التخرّج في جامعة النجاح ، فحمد الله و أثنى عليه و انطلقت العبرات من عيون الحاضرين حين بدأ باستحضار شهداء كلية الشريعة من زملائه و أحبّته ، فتحدّث عن شهداء القسّام القادة من حفظة القرآن و أدّى التحية لكريم مفارجة و طاهر جرارعة و محمود المدني و عاهدهم على البقاء على طريقهم و السير على نهجهم ، و تحدّث عن ثقافة الاستشهاد و فلسفة الموت في طلب الحياة و ردّ بعباراتٍ مختصرة على من يُنكِر على الفلسطينيين تضحياتهم حين قال : "نحن لا نردّد أغنية الموت ... بل نتلو أناشيد الحياة" .

 

حيّى زملاءه الشهداء و أساتذته الأفاضل و استفاض بالحديث عن الأيام الرائعة التي قضاها في كنف الكتلة الإسلامية ينهل من معينها الذي لا ينصب ... لكن لم يكن ليخطر على بال أحد من الحضور أنْ محمد بهذه الكلمات إنما يودّع الحضور و يستأذنهم بالخروج من عالمهم و الرحيل عن دنياهم إلى ما هو أعزّ و أبقى و أكرم و أنعم ، لقد اختار محمد طريقه و كان الرحيل إلى الجنة .

 

صلاة الجراح :

يقول أصدقاء الشهيد و معارفه إنهم لم يتخيّلوا للحظة أنْ يكون محمد شهيد مع وقف التنفيذ ، فقد كانت كلّ الدلائل تشير إلى اهتمامه ببناء مستقبله ، لقد كان يتحدّث عن الحياة بروحٍ كلّها أمل بالمستقبل القادم ، فقد تحدّث عن مشاريعه بعد التخرّج ، التحق بدراسة الماجستير و كان يبحث عن شريكة لحياته و أوشك فعلاً على خطبتها غير أنّه أوقف ذلك المشروع بشكلٍ مفاجئ ، و حين كان يسأل عن ذلك كان يجيب "لم يحنْ الوقت بعد" ، و لم تكن تلك الإجابة لتقدّم شيئاً للسائل عمّا يدور في خلده و ما يختلج بين جنباته من رغبةٍ بالرحيل ، حتى جاء اليوم الموعود ، فتوضّأ لصلاة الفجر و عقد نيّته صيام يوم الثلاثاء 18/6/2002 و توجّه صوب القدس المحتلة ، مدينة الأنبياء و أرض الإسراء ليخرِق سور شارون الواقي و يحطّم جداره الحامي و يحوّل حياته إلى جحيمٍ لا يُطاق بعد أنْ فجر حزامه الناسف في قلب حافلةٍ تقلّ مستوطنين من مستوطنة "جيلو" كانت متجهة نحو القدس المحتلة .

 

تفجّرت الحافلة و اشتعلت فيها النيران ، و تناثرت أشلاء محمد ليعلن التاريخ أنّ حكايات القساميّين لا زالت في أوجها ، ترجّل محمد و سقط 22 صهيونياً قتلى في تلك العملية النوعية ، و أهدت كتائب الشهيد عز الدين القسام عملية محمد البطولية النوعية إلى كلّ من يحمِل القرآن و البندقية و يدافع عن شرف الأرض بأنْ يهرق دمه دون أن تدنّس ، و بقيَ المجلس المصغّر في حالة انعقاد كما تعهّد القسام و جاء الردّ الصهيوني بوضع كامل مدن الضفة الغربية تحت الاحتلال العسكريّ لتبقى المقاومة في اشتعالٍ و ليخرج من قلب الأرض المحترقة كلّ يومٍ ألف محمد .

ترجّل "محمد" كما يترجّل الفرسان ليتوضّأوا من صهيل الفجر و يتنشقوا أنفاس القسام ... ترجّل لتبقى كلماته الخالدة نبراساً للأجيال

"نحن لا نردّد أغنية الموت ... بل نتلو أناشيد الحياة"

 

 

تم طباعة هذا المقال من موقع مدينة نابلس الالكترونية: واجهة نابلس الحضارية على شبكة الانترنت (nablus-city.net)

© جميع الحقوق محفوظة

(طباعة)