متى ُتشرق الشمس
عدد القراءات: 9724

بقلم: علاء أبو ضهير

 

سؤال تردد كثيراً منذ اجتياح جيش الاحتلال الاسرائيلي لمدينة نابلس في ربيع عام 2002، متى ستشرق شمس الصباح ويرحل عنا الجنود الاسرائيليون الذين يجتاحون المدينة ليلاً!، لم يتوقفو عن إجتياح المدينة الا نادراً، أصبح الليل مصدر قلق ورعب لنا، ونظراً لانسحابهم اليومي كل صباح، أصبحت انتظر الصباح بفارغ الصبر، كم كرهت الليل الذي كان متنفس العشاق والشعراء، هذا الليل الذي كنت انتظره دوما لاسترد جزءً من رومانسيتي المنشودة، واحلامي المفقودة، كان الليل ملاذي الاخير في ساعات الليل المتأخر، حين كنت استمتع فيه بقراءة الروايات والاستماع للموسيقى الكلاسيكية، او متابعة عمل من الاعمال الادبية العالمية.

 

ما معنى ان تكون مواطنا فلسطينيا يسكن البلدة القديمة من نابلس او ما حولها؟ سؤال غريب، لكنه جدير بالاجابة، مأساة أن تكون مواطنا يسكن مدينة نابلس بشكل عام، والبلدة القديمة بشكل خاص، إذ يجب عليك ان تكون على اهبة الاستعداد لتحمل تبعات كل غارة اسرائيلية مفاجئة على الحي الذي تسكن فيه، ويتضمن ذلك الاستعداد ان تلبس من الملابس ما يكفيك برد الليل، إذ كثيراً ما يؤخذ المواطن ليلاً ليشكل درعا بشريا لحماية الجنود الاسرائيليين او ليتم وضعه في سكن بديل بسبب رغبة الجنود في احتلال منزله لهذه الليلة او عدة ليالٍ.

 

ايضاً، يجب عليك ان تتأكد انك لست بحاجة لزيارة الحمام خلال الساعة او الساعات المقبلة، إذ يغضب الجندي إذا طلبت منه الذهاب للحمام، لذا، إذهب الى الحمام قبل أن يأتي الجنود اليك، كما يجب عليك ان تخفي جهازك النقال او ان تقوم بإغلاقه، وذلك لانزعاج الجنود من صوت الهواتف النقاله، يجب عليك ان تنتبه الى كل ما قد يثير ريبة الجنود في بيتك، لا يجوز لك ان تضع على جدران منزلك أي مظاهر تؤكد على انتمائك لوطنك او قضيك، بل ُيفضل ان تلغي كل ما يؤكد هويتك الفلسطينية من َعلم او كوفية او لوحة زيتية، يجب عليك ان تتأكد من عدم وجود صور وطنية، يجب كذلك ان لا تحتفظ بأسلحة بلاستيكية للعب الاطفال، والاهم من ذلك كله، يجب ان تكون مستعداً لفتح باب منزلك بأسرع وقت تفاديا لقيام الجنود بتفجيره اذا لم تسرع بفتحه حين يصرخ بك الجنود طالبين فتح بابك بسرعه، لذا، لا يجوز لك الاستمتاع بالنوم ليلاً، بل يجب البقاء متيقظاً، وكيف ستنام وأصوات القنابل والطلقات النارية تهز مضجعك! أصبح ليلنا كابوساً نهرب منه بينما كان سكنا وطمأنينة وراحة للبال تساعدنا على استجماع قوانا تمهيداً لبدء يوم جديد.

 

تعودت على عدم إبقاء النقود في المنزل، وكذلك الحال بالنسبة لكاميرات الديجيتال او جهاز اللابتوب، فما أسهل ان يقوم الحنود بسرقتهم كما فعلو في المرات السابقة، إنهم لا يتركون شيئاً، حتى الاقراص المدمجة وأقراص الدي في دي.

 

ننام في العمل، نشعر بالنعس طيلة النهار، أجسادنا مرهقة، واعصابنا متعبة نتيجة لقلة النوم، قيل لي يوماً ان ساعة نوم في الليل افضل من عدة ساعات نوم في النهار، وانا الآن واثق من ذلك، إذ اشعر بالتعب الشديد من قلة النوم في الليل، ومهما نمت في النهار، فإنني لا ازال اشعر بالتعب، حتى اعصابي اصبحت مرهقة، ففي اللحظات التي أخلد فيها للنوم المتقطع، ارى جنوداً يركضون ودماءً مهدورة، وبيوتأً مدمرة، استيقظ مرهقاً على صوت الطلقات النارية، بعد ان نمت لبرهة رأيت فيها مشاهد كابوسية.

 

وأنتظر الصباح بفارغ الصبر، لعلهم ينصرفون، ولحسن الحظ، ينصرفون عادة بعد انبثاق الفجر، بعد ان يكونو قد دمروا ما دمروه، واعتقلو من اعتقلوه، ومارسو هوايتهم في ارهاب السكان بأصوات طلقاتهم ودباباتهم.

 

نحن بشر لا ُيعترف بنا كبشر، نحن كائنات حية من الدرجة الثانية او العاشرة بالمقاييس العنصرية الاسرائيلية، لا يحق لنا ان نستمتع بنعمة النوم، ننتقل من نافذة الى اخرى في الليل لنرى اين وصل الجنود، وهل اقترب دورنا؟ ونمضي الليل في الاتصال بجيراننا واقاربنا للاطمئنان عليهم، حالة من الرعب تسود ليلنا، وقلق متواصل يبدأ معنا كل ليلة مع اقتراب المساء.

 

كم استمتعت بالاستحمام ليلاًُ، بينما استمع لبعض المنوعات الغنائية المفضلة من المسجل عالي الصوت، لم أعد اجرؤ على فعل ذلك في هذه الليالي، لا احد يعرف متى يقرع الجنود الباب، ويجب ان تتذكر انهم لن ينتظرو ريثما تقوم بتجفيف جسدك وارتداء ملابسك، صرنا نستحم نهاراً، كما صرنا ننسق مع بعضنا بعضا، أي انني اخبر احد أشقائي انني متجه للحمام كي يكون مستعداً لفتح البوابة حين يقرع الجنود الجرس، ناهيك عن ضرورة حلق ذقوننا باستمرار كي لا ُيشتبه بنا بالانتماء لاي من الحركات السياسية.

 

ومن أجل الابتعاد عن الشبهات، حذفت كل ملف الكتروني موجود في جهاز الكمبيوتر، كما اقوم دوماً بالتأكد من عدم وجود أي صورة او معلومات تتعلق بالوطن، ما اصعب ان تشعر انك مراقب دوماً، وأن هناك جندياً يتربص بك باستمرار.

 

لا زالت اصوات طلقاتهم تعلو، ويزداد الادرينالين في دمي كلما مروا بعرباتهم وناقلاتهم امام المنزل، ويرتفع الادرينالين الى اقصى درجاته اذا قام سائق الدبابة بالتوقف امام المنزل، وترتفع درجة التوتر والترقب، لدرجة انني كثيراً ما تمنيت وقوع القدر بدلاً من إنتظاره، إذ تحول انتظار وقوع القدر الى رعب اشد ارهاباً من وقوعه.

 

لا يصدق من يرى ليالي نابلس ان هذه المدينة ستستيقظ في الصباح، وستستأنف حياتها الاعتيادية، وكأن ما حدث ليلاً لم يحدث، أو هكذا يحلو لنا ان نشعر او ندعي أننا قادرون على إستئناف الحياة، ولكن المتمعن في الحياة اليومية لسكان هذه المدينة يدرك جيداً مقدار الارهاق النفسي الذي يمر به سكانها نتيجة لهذه الحرب النفسية المستمرة منذ سنوات.

 

 

تم طباعة هذا المقال من موقع مدينة نابلس الالكترونية: واجهة نابلس الحضارية على شبكة الانترنت (nablus-city.net)

© جميع الحقوق محفوظة

(طباعة)