السامري سلامة يأخذ (عهد بني إسرائيل).. المقدس
عدد القراءات: 9320

صف طويل من الرجال اقرب الى ما يشبه حضور قداس.. طاولات من الخشب وصور نحتت عليها سور من التوراة القديمة. وثمة اهتمام بالتفاصيل الصغيرة وما يدور وسط هذا المجتمع الديني الصغير.
وليس هناك محراب تلقى من عليه أدعية بلغة من أقدم لغات الأرض مجهولة للغرباء داخل القاعة... ان اليوم لم يكن سوى إعطاء احد أبناء شعب بني اسرائيل القديم "عهد التوراة المقدس".
سلامة او كما سيدعى لاحقا (شلومو) وهو الاسم العبري للطفل الذي أتم سبعة أيام من عمره، لذلك وجب على عائلته ختنه حسب تعاليم التوراة التي يقدسها السامريون الذين يسكنون على جبل جرزيم الختان.. لقد سالت دماء الطفل وتليت اولى سور التوراة وعمت البهجة الجبل تيمنا بسنة النبي ابراهيم الذي تقول التوراة السامرية انه قدم ابنه قرباناً لله على مقربة من هنا.
احضر سلامة إلى القاعة ملفوفاً برداء ابيض كما هي العادة في مناسبات مشابهة، ورافقته والدته جنان وهي سيدة من ثلاث شقيقات لأحد كهنة الطائفة، وبعض النساء سرن بجانبها الى القاعة التي تمت فيها عملية الختان.
وتنص التوراة على ختان الطفل في اليوم الثامن من ولادته. وثمة من يقول ان الطفل الذي لا يختن يقتل، لكن في المرات القليلة التي اجل فيها الختان في التاريخ الحديث اجل مجلس الكهنة ذلك نظراً لأسباب طارئة مثل المرض كما حدث قبل اشهر عندما اجل ابن خال سلامة.
الكل معني بحضور الختان والمشاركة في أداء الصلوات. وبعض النساء خرجن بحليهن ووضعن مساحيق التجميل في وقت مبكر من الصباح.
اليوم اشبه بعرس صغير
وقال والدا الطفل ابراهيم الكاهن إنهما ظلا يترقبان اتمام سلامة ليومه السابع لقدوم يوم الختان، الذي يتمتع به الذكر السامري بالعقد المقدس ( العهد(.
ويقول السامريون ان الختان هو أشبه بالدخول الى "حياة القداسة الدينية". يردد المعنى ذاته إبراهيم الذي يبدو مسرورا الى ابعد حد.
انه أشبه بيوم عيد في هذا الصباح البارد، فالسامريون الذين خرجوا بعد صلواتهم أنيقين وبعضهم يلبس اللباس تجمعوا واصطفوا في خطوط متوازية.
وضرب بعض الرجال بأكفهم بخفة، وانحنى بعضهم قليلاً على وقع القراءة الجماعية لبعض سور التوراة، وراقبت امرأة وحيدة جلست بين الرجال الصلوات، ووقف أطفال ونساء على الزوايا يتابعون مسار الصلوات المستمرة التي تردد صداها في أنحاء الجبل.
وبدا كاهن الطائفة الأكبر متوسطاً الرجال، ويمكن معرفته من خلال تلاوته لسور التوراة، قبل ان يرد عليه الرجال الآخرون.
وقال إبراهيم والد الطفل المختون فيما كان يحاول حث الرجال على تناول طعام الإفطار، ان معظم رجال الطائفة يحضرون الختان.
وفي صلاة الختان يسأل الكاهن الأكبر الذي تؤول إليه قضايا المجتمع السامرية الدينية بصوت عال : ما شميه وهي كلمة من العبرية القديمة تعني : ما اسمه؟.
ويرد عليه عشرات الرجال بصوت عال أيضا: سلامة. وتنفرج اسارير والد سلامة. وتضطر جدته لوالدته لمنع أطفال من الحركة السريعة في ممر مقابل للقاعة.
ويقرأ الكاهن سورة الفرح في التوراة ويعلن ختام صلاة الختان ويتوجه الجميع لتناول طعام الافطار، فيما تظل النساء متحلقات حول الرجل الذي ختن سلامة وبعضهن يعطي نصائح لوالدته.
وغالباً ما يختن رجل معروف لدى الطائفة الأصغر في العالم الأطفال. وقال محمد الشخير وهو الرجل الذي يختن أبناء الطائفة " أنا اختنهم منذ 25 سنة. أنا من ختن كل هذا الجيل الجديد".
وقال ابراهيم" نحن فرحون. هذا أجمل شعور نعيشه. عندما يأتي المولود ويختن يكون أنجز كل المهمات". كان الوالد أفاق على الثالثة فجراً وارتدى ملابس جديدة. "كنت أول شخص هنا". قال الشاب الذي لم يتوقف عن الحركة طيلة فترة الختان.
لكن ثمة مفارقة، فلا الوالد الفرح ولا الرجال الآخرون ولا حتى نساء كثيرات يمكنهم حتى لمس الطفل المختون، فالشريعة التوراتية تحرّم ذلك حتى بلوغ المولود الذكر أربعين يوماً، والأنثى ثمانين يوماً. انه أشبه بالتحلل والدخول الى "عالم الطهارة".
لذلك فقط والدة سلامة وبضع نساء أخريات كن في فترة الحيض امكنهن ملامسة الطفل. وتتم كل المناسبات الدينية للطائفة التي تسكن على قمة جبل جرزيم الذي يعتبرونه الأقرب للسماء وقبلتهم المقدسة. وثمة قدسية كبيرة لهذا الجبل في التوراة السامرية. ويعتقد السامريون ان هيكلهم مبني عليه.
وقال الكاهن حسني وهو جد الطفل المختون من جهة الأم ويدير مركز أبحاث ومتحفا إن التوراة كرمت "جرزيم" ووصفته بجبل الرحمة.
وروى فيما أشار الى لوحة زيتية كبيرة تتوسط المتحف وتُظهر جبلي نابلس الشهيرين جرزيم وعيبال القصة التوراتية التي تقول ان ستة أسباط وقفوا على جبل جرزيم فيما وقف ستة آخرون على عيبال الذي دعته التوراة بجبل اللعنة.
وقال فيما أشار من نافذة تطل على جهة الشمال "أنظر الى الجبل، إنه أجرد داكن كافر لا زرع فيه. أنظر الى جرزيم انه يشع بالنور".
ويأخذ الختان على الجبل طابعاً وقتياً 
ويقول كهنة سامريون أنه يتم الختان قبل انتصاف النهار، لذلك نقوم بختن الأطفال في هذه الساعة المبكرة من الصباح.
وقال الكاهن حسني "إنه أمر رباني..هكذا فعل أجدادنا من بني إسرائيل من قبل حتى عندما حرمنا الرومان ذلك قبل ألفي سنة'.
وللرومان علاقة ما في ختان أبناء الطائفة.
وفي القاعة التي تداعى إليها عشرات السامريين لأداء الصلاة المصاحبة لختان اصغر المواليد من 'بني إسرائيل'، قرأ الكاهن الأكبر هارون أبو الحسن أجزاء من التوراة، وعندما وصل إلى جملة 'اه مقرس قارس'، ذكر اسم فارس روماني يدعى جرمون،
وقال الكاهن حسني إن حارساً رومانياً يدعى جرمون كان ساعد شعبهم قبل آلاف السنين على ختان أحد الأطفال في الوقت المحدد قبل انقضاء الأيام السبعة رغم حظر دولته على السامريين ممارسة عقائدهم.
لذلك كافأه الكاهن الأكبر بذكر اسمه في الصلوات مادامت تقام. وذكر اسم جرمون في ختان سلامة اكثر من مرة. ويمكن لأي سامري ان يروي هذه القصة من ألفها الى يائها.
والسامريون الذين يعتقدون أنهم "'السلالة الحقيقية لشعب بني إسرائيل"' الذي انقسم فيما بعد تبقى منهم الآن نحو 750 فرداً نصفهم يسكن نابلس والنصف الآخر يسكن في مدينة حولون جنوب تل أبيب.
لكنهم يجتمعون في كل مناسبة دينية أو اجتماعية على الجبل. وقال سامريون قدموا من داخل إسرائيل، حيث يسكنون هناك منذ عشرات السنين إنهم قدموا ليلة أمس لحضور الختان.
وقال أحدهم "هنا قبلتنا.هذا الجبل مبارك".
ويذهب الكاهن حسني الى اعتبار ان أنهار الجنة مصدرها من جرزيم. ويقتبس من دراسة حديثة أعدها "الحقيقة أننا نعلم ان النهر الذي يخرج من الجنة وينقسم الى أربعة رؤوس مصدره جرزيم".
جرزيم جبل البركات والفرائض "قال الكاهن الذي أشار الى توراة قديمة قرأ منها ما يوجب ختان الطفل حسب الشريعة السامرية التي تفرض بالإيمان بالأسفار الخمسة الأولى من الكتاب المقدس".
ويهتم الرجال هنا فقط بالصلاة، ولا تصلي النساء لكنهن يتمتمن واجبات دينية متعلقة بالطهارة، وهو أمر يبدو لغير أبناء الطائفة قاسياً جداً.
لكنهن ايضاً حاضرات في المناسبات. قالت يافيت الكاهن وهي شابة كانت تحمل سلامة بعد ختانه "هذه مناسبة كبيرة. فرحنا اياماً عديدة عندما ختن ابني البكر توفيق. كان عرساً حقيقياً في بيتنا...". وهدهدت الطفل فيما اصطف رجال يلقون على طاولة الختان نقوداً للتهنئة...
تم طباعة هذا المقال من موقع مدينة نابلس الالكترونية: واجهة نابلس الحضارية على شبكة الانترنت (nablus-city.net)

© جميع الحقوق محفوظة

(طباعة)