من رائدات الحركة النسوية الفلسطينية: عدلة فطاير
عدد القراءات: 12887


بقلم علاء أبو ضهير

التقيت بعدلة ذات يوم من أيام فرض حظر التجوال الطويل على مدينة نابلس، ذلك الحظر الذي إستمر عدة أشهر، كنت أيامها قد ضقت ذرعاً بالمكوث في البيت، إذ فقدَت حياتي قيمتها لعدم إنتاجي لما هو جدير بالذكر في ظل ذلك الحظر الممل، هذا الحظر الذي أعقب إجتياح المدينة عام 2002، لذلك ذهبت في غفلة من دوريات الاحتلال الى جمعية الاتحاد النسائي العربي في مدينة نابلس للتطوع في شيء قد يكون مفيداً.

في تلك الجمعية، بحثت عن الأرشيف الموجود في إحدى الخزائن القديمة المغلقة، أخرجت منها الكثير من الأوراق المهترئة الأطراف، وجدت أرشيفاً قيماً لجهود مجموعة من الفتيات اللواتي سبقن زمنهن، فتياتٍ رفضن البقاء أسيرات لجدران المنازل في الوقت الذي يناضل فيه الرجال وُيقتلون بأيدي جنود الانتداب البريطاني، حدث ذلك فور وقوع أحداث ثورة البراق عام 1929 وإضراب عام 1936 حين تداعت فتيات وسيدت نابلس لاغاثة المتضررين ومساعدتهم.

كانت تلك الفتيات والسيدات أكثر قرباً ومعرفة بمعاناة المرأة النابلسية التي فقدت معيلها أو أحد أفراد أسرتها، لذلك هبت مجموعة من فتيات المدينة وسيداتها لتقديم العون للعائلات الثكلى خلال مرحلة الثلاثينات وبرزت في تلك المرحلة المرحومة مريم هاشم ورفيقاتها اللواتي تحدد وإتضح مسار نضالهن عام 1948 حين وقعت الطامة الكبرى بترحيل ثلثي الشعب الفلسطيني الى المنافي والقفار.

برزت مجموعة من الفتيات اللواتي لبين نداء الوطن، وخرجن من بيوتهن للنضال بكل ما هو متاح، لجأ بعضهن للتطوع في الخدمات الطبية وبعضهن الآخر للتطوع في تقديم الخدمات الاجتماعية بينما إتجه بعضهن الى ساحات القتال، الى الخطوط الأمامية في الدفاع عن الوطن، أو ما بقي منه، ومن هؤلاء الفتيات الفتاة النابلسية عدلة فطاير التي وجدتُ صورتها في الارشيف القديم في تلك الخزانة في الجمعية، هذه الصورة التي أوحت لي بهذه المقالة وهو اللقاء الوحيد الذي جمعني بها.

لم أستطع مقابلة عدلة فطاير، لكنني خشيت أن لا أستطع مقابلتها، إذ قابلت رفيقاتها اللواتي يعشن في الوطن، تسكن عدلة مدينة عمان منذ عقود طويلة، لكنني استطعت الحصول على المعلومات التالية منها شخصيا عن طريق فتاة تطوعت للذهاب لعمان ومقابلتها بالاضافة الى مكالمتي لها هاتفياً.

تقول عدلة: كنا نسكن حي رأس العين في مدينة نابلس، كان لشارعنا منفذان فقط، منفذ يؤدي الى حارة العقبة ومنفذ آخر يؤدي الى حارة القريون، كان والدي موظفاً يعمل في المحكمة الشرعية، وكثيراً ما كان يذهب للقرى لإتمام مهام عمله التابع للمحكمة.

ُولدتُ عام 1929، كان والدي من رجال ثورة عام 1936، كان يقول لي: قفي على طرف الشارع يا عدله وراقبي سيارة الانجليز، فإذا جاءت السيارة إصرخي وقولي (أجت الصبايا) وفعلا، كنت أصرخ بأعلى صوتي عند وصول سيارة الانجليز ليتفرق رجال الثورة.

كان السكان يسرعون الى منازلهم فور وصول سيارة الانجليز، كان رجال الثورة يعقدون إجتماعاتهم ويختبئون في الجبل الذي نسكنه (جبل الطور)، كان لأحد الجيران منزلاً يؤدي الى منفذ يقود الى إحدى مغاور الجبل، كانت جدتي تضع لي الطعام وأشياء أخرى لا أعلمها في سلة وتقول لي: لا تفتحي هذه السلة ابداً، وكانت ترافقني ونحن نصعد الجبل ثم تتركني لأكمل صعودي لأجد والدي بإنتظاري ليتناول مني السلة ويختفي في الجبل ثم أعود الى المنزل. وفي طريق عودتي، أجد جدتي بإنتظاري لنعود سوياً.

وبعد عدة أيام، جاء الجنود الانجليز الى منزلنا ليلاً، طرقوا الباب بشراسة، وحين أيقنت بقرب دخولهم للمنزل، أسرعت الى المسدس المخفي في الفراش، وبدأت أبحث عن مكان لإخفائه، ولحسن الحظ، بدرت لذهني فكرة وضعه في مجرى المياه، غطيت المسدس بقطعة من القماش ووضعته في مجرى المياه وأغلقت المجرى.

دخل جنود الانتداب الانجليزي منزلنا وعاثوا فيه خراباً وتفتيشاً، لم يتركوا شيئاً على حاله، وفي اليوم التالي، وصلنا خبر إعتقال والدي والزّج به في سجن نابلس، صرت أزوره وجدتي أسبوعياً، وأحيانا أذهب لزيارته وحدي، كثيراً ما توسلت للجندي الانجليزي للسماح لي بلقاء والدي، كان يقبل أحياناً ويرفض أحياناً أخرى، وذات مرة، طلب مني والدي أن أحضر له شفرات للحلاقة، كان ذلك ممنوعاً، لكن والدي قال لي: توجد للسجن شبابيك صغيرة، ويمكنني أن أتناول الشفرات منك من خلالها، إشتريت الشفرات وذهب للشباك، كان مرتفعاً، وضعت بعض الحجارة فوق بعضها البعض كي أتمكن من مناولة الشفرات لوالدي.

في إحدى الأيام، وأثناء زيارتي لوالدي، شاهدت القيود الحديدية بيديه، فسألته عنها، فقال لي: سيأخذونني إلى سجن عكا، وصرنا نذهب لزيارته في ذلك السجن الرهيب الذي إشتهر حينها بإعدام الثوار.

كان والدي من هواة الصيد، كان يأخذني معه للصيد أحياناً، علمني إطلاق النار، أذكر حين بدأت بتعلم إطلاق النار أنني أطلقت الرصاصة على الأرض، فقال لي: لا تخافي وقوّي قلبك، حينها تجرأت وتعلمت جيداً، خاصة أثناء العطلة المدرسية.

علمني والدي ركوب الخيل منذ الصغر، ُرزق والدي بثلاثة بنات وانا رابعتهم، فأسموني رابعة، لكنه كان يفضل مناداتي بإسم عدلة، كان الحصان هو وسيلة نقل والدي أثناء عمله في تلك المرحلة من ثلاثينات القرن العشرين.

لم يكن الجيران يوجهون لي أو لوالدي النقد على ركوبي الخيل حين كنت في السادسة من العمر مرتدية البنطال، وذلك لعلمهم بأن والدي لم ُيرزق البنين ويعاملني مثلما ُيعاملون، كان والدي يعاملني معاملة الذكور لعدم وجود إخوة ذكورٍ لي. لذلك كنت أمتطي الحصان وأنا في طريق العودة مع والدي الى منزلنا في جبل الطور.

تركت المدرسة وإنا في الصف السادس، كانت آخر سنة لي في المدرسة، طلبت من والدي تعلم الخياطة، كنت من هواة التطريز، فوافق، تعلمت التطريز والخياطة على يدي أمهر خياطة في مدينة نابلس، الآنسة عائدة الهقش، وبعدها تعلمت الخياطة ايضاً عند الحاجة رئيفة عبد الهادي، وفي طريقي إلى البيت، كنت أذهب عند السيدة عفيفة العكر لأتعلم التطريز، وبفضل الله تعلمت الخياطة والتطريز جيداُ وبدأت أخيط للناس.

وفي تلك الإثناء من عام 1947، تم الإعلان عن تقسيم فلسطين، ووقعت الحرب بين الفلسطينيين واليهود، ذهبت وبعض الفتيات للتطوع مع الأنسة عندليب العمد، (الاتحاد النسائي العربي بنابلس)، تدربنا على الاسعاف الأولي، كان المدربون أطباء في الجيش العراقي لكنهم مقيمون في منطقة نابلس.

أسست الحاجة عندليب العمد مستشفىً صغيراً في أحد المنازل في مدينة نابلس، إكتظ المستشفى بالمراجعين والجرحى، قمنا بخدمتهم، كان الكثيرون من الجرحى من الجنود العراقيين، أذكر ما قاله لي أحد الجرحى العراقيين من تفوقهم على العصابات اليهودية في المعركة، قال لي إن العصابات اليهودية قد فتحت خراطيم المياه على الجنود العراقيين في إحدى البيارات لإغراق الأرض بكميات كبيرة من المياه مما أدى الى غوص أقدام الجنود العراقيين في الوحل وشل حركتهم، فإقتنصتهم البنادق اليهودية واحداً تلو الآخر.

وذات يوم، حضر الدكتور أحمد السروري الى المستشفى وكان من المتطوعين فيها وشاهدني مع المتطوعات في الإسعاف، كان يعرف والدي جيداً، فطلب منه لاحقاً الموافقة على إرسالي لتعلم التمريض في المستشفى الوطني حيث تدربت لاحقاً على مهنة التمريض وتفوقت فيها وحصلت على المرتبة الثانية على دفعتي.

ثم جاء الضابط فوزي القاوقجي الى مدينة نابلس، وهو مسؤول جيش الانقاذ، وحوّل إحدى المباني الى مستشفىً أطلق عليه إسم مستشفى الشهباء، عملت فيه في غرفة العمليات، وأثناء عملي في المستشفى زارنا ذات يوم الضابط القاوقجي وتعرف على والدي وطلب منه أن يسمح لي بمرافقة الجيش الى منطقة شمال فلسطين للعمل في المستشفى الميداني وتسلّم مهام إدارته، فوافق والدي قائلا: لا يوجد لدي أبناء لأرسلهم للمعركة، لكن عندي إبنتي عدلة، سأرسلها معك على شرط واحد، إذا شاءت الظروف ووجدت نفسك في موقف عسكري محرج قد يؤدي الى مقتلك، فأقتلها أولاً كي لا تبقى وحيدة وتقع في الأسر. ودّعت الأهل وذهبت مع جيش الانقاذ وبرفقتي زميلاتي فاطمة ابو الهدى ويسرى طوقان.

غادرنا الى الاردن ومنها الى دمشق، وصلنا الى مستشفى المزة في دمشق، كان مسؤول المستشفى الدكتور أمين رويحة، والذي اصبح لاحقاً مديراً لمستشفى الشهباء في مدينة نابلس (مكان عمارة ظافر المصري الكائنة في شارع فيصل حالياً)، تدربت على العمليات الجراحية في دمشق ثم غادرنا دمشق الى مدينة صور وبقيت الزميلة يسرى طوقان وبعض الممرضات فيه.

ذهبت والزميلة فاطمة أبو الهدى للمستشفى الميداني في مدينة الرامه، كنا نذهب الى ساحة المعركة في عربة خاصة بالاسعاف الأولي مع الطبيب والممرضين، وفي إحدى الايام، وقعت معركة عنيفة في قرية الشجرة، أسرعنا الى الموقع، وبينما كنا نسير بين الضحايا ونسمع صراخ الشباب، سمعنا صوتاً قوياً يئن من الجراح، تعرفنا على صاحب الصوت، كان الصوت للشاب الشاعر عبد الرحيم محمود، أحد قادة الثورة، أسرعنا لتقديم الإسعاف الأولي له، حملناه الى مستشفى الرامه، كانت إصابته في عنقه ورأسه، وضع له الطبيب كيساً من الثلج على رأسه، وبسبب عدم وجود سرير يمكن رفعه للأعلى في ذاك المستشفى، وضعت رأسه على كتفي وأمسكت كيس الثلج ووضعته على رأسه طيلة الليل، وقبل بزوغ الفجر بقليل، فارق الشاعر عبد الرحيم محمود الحياة، مخلفاً وراءه كلمات خالدة الهبت مشاعر الملايين من عشاق الحرية والانعتاق من الاستعمار والعبودية: ومن أجمل ما قال:

سأحمل روحي على راحتي وألقي بها في مهاوي الردى

فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العدى

كانت لحظة عصيبة، إنهار الجميع بالبكاء فور الإعلان عن وفاته، وفاة قائد وشاعر عظيم.

إنتقلنا بعدها الى بلدة ترشيحا في الجليل، مكثنا في مبنى الشرطة وباشرنا بإستقبال الجرحى، كانت المعارك على أشدها في الجليل. أذكر حين كنت في المستشفى ذات مرة أنني سمعت صوت زامور السيارة على مدخل المستشفى معلنا وصول جريح جديد، أخبرني السائق أنه في عجلة من أمره وأن عليه العودة الى ساحة القتال فوراً فما كان مني إلا أن حملت الجريح، لا أعلم كيف استطعت حمله من السيارة الى داخل المستشفى والصعود لأكثر من ثلاثين درجة وهو محمولاً على ظهري، كنا في حالة نفسية يصعب وصفها، حالة التعامل اليومي مع الموت، كانت اللحظات التي يعيشها الانسان غريبة وعصيبة ومؤثرة في تركيبتنا التاريخية والنفسية ولا زالت آثارها قوية علينا حتى الآن.

أذكر جريحاً آخر من عائلة سدر، كنت قد أسعفته بعد إصابته في ساعده، كان هذا الشاب راغباً بالعودة الى ساحة المعركة لكنه فقد بندقيته، إستطعت مساعدته في الحصول على بندقية أخرى، فإلتحق هذا المقاتل الشاب بزملائه وعاد الى المعركة، حمل بندقيته وعاد مسرعاً للحاق بزملائه، ودارت الأيام وإنتقلت للعيش في مدينة عمان، وسمعت عن عائلة سدر في الزرقاء، فسألت عنها حتى إهتديت الى منزل هذا الجريح، فتحي سدر، إتصلت بإبنه وحدثته عن قصة والده فأجابني إبنه باكياًً: لقد تأخرت يا سيدتي، فقد توفي والدي منذ اسبوع فقط.

رافقنا في عملنا في مستشفى ترشيحا مجموعة من الشبان من مدينة نابلس، أذكر أثنان منهما من عائلة مكاوي وآخران من عائلتي دروزة وعوايس. وكان المسؤول عن الجيش العراقي في منطقة ترشيحا هو العقيد مهدي من العراق.

كانت تجاورنا في بلدة ترشيحا بعض البلدات الدرزية، نشأت بيننا وبينهم علاقات قوية، وكثيراً ما دعونا لبيوتهم في قرية معليا وقدموا لنا ما يقدمه الأهل لابنائهم، ولن أنسى فضلهم علينا في تلك الأيام، وذات يوم وقع شجار بينهم وبين قائد المنطقة العراقي (مدلول)، فقصفوا العمارة التي نقطن بها لأن مدلول موجود بها، كان القائد العراقي مخطئاً بحقهم، لذلك إتصلت بإحدى الصديقات الدرزيات اللواتي تعرفنا عليهم مسبقا وأخبرتها أننا نتعرض لنيرانهم فتم إيقاف القصف علينا.

حصلت معارك أخرى في مناطق كثيرة، أذكر منها معركة عنيفة في منطقة اسمها تل الزواوا، سيطر فيها جيش الانقاذ على المنطقة، كان جنود جيش الانقاذ من العراقيين والسعوديين واليمنيين، وحين تمت السيطرة على المنطقة، جاء أثنان من مراقبي الهدنة الدوليين وطلبوا من جيش الانقاذ الانسحاب من المنطقة التي تمت السيطرة عليها بشق الانفس فما كان من الجنود اليمنيين إلا ان أطلقا النار على المراقبين الدوليين مما أدى الى مقتلهما في الحال.

ووفقا للأوامر، إنسحبنا الى قرية بنت جبيل في جنوب لبنان وأخذنا معدات المستشفى معنا وبينما كنا ننسحب قرب منطقة ُتسمى حرفيش، قصفتنا الطائرات الاسرائيلية التي حصلت عليها العصابات الصهيونية أثناء الهدنة وقتلت عددا من جنود جيش الانقاذ المنسحبين.

كانت معظم السيارات قد سبقتنا، إختبأنا تحت أغصان الشجر، ألقيت علينا قنابل كثيرة، ثار الغبار ولم نتمكن من رؤية بعضنا البعض، خرجنا من سيارة الاسعاف، إنبطحنا على الارض، أصيب الكثيرون أثناء ذلك القصف، قمنا بتضميد جراح الكثيرين واضطررنا لاستخدام اغصان الزيتون لتجبير الكسور والاصابات بعد أن نفذت منا الجبائر، ومن مفارقات القدر أن إحدى النساء المهاجرات قد جاءها المخاض في تلك اللحظة العسيرة، لكنها انجبت طفلها، كان الجرحى والشهداء متناثرون على الارض، وأضطررنا لوضع الجرحى فوق جثث الموتى في السيارة ثم إستكملنا إنسحابنا الى لبنان.

وبينما كنا ننسحب الى جنوب لبنان، وحين مررنا بمنطقة حرفيش، وجدنا منزلاً تم إستخدامه كمستودع لذخائر جيش الانقاذ، فطلبت من السائق النزول ونسف المستودع، كان السائق متردداً، إذ لا زالت الطائرات تقصف مناطق مختلفة على طول الحدود اللبنانية الفلسطينية، فشجعته على نسف المستودع فنسفه وسرنا في طريقنا ونحن نسمع صوت الانفجارات قوية خلفنا.

أذكر ونحن في طريقنا بإتجاه قرية بنت جبيل اللبنانية أنني شاهدت دبابة معطلة وقد اغلقت الطريق الرئيسي، كان الجنود واقفين دون فعل شيء، شجعتهم وزميلتي وأسرعنا الى رفع حجارة السلسلة بأيدينا وبسرعة خوفاً من وصول الطائرات، فما كان من بقية الجنود الا أن عملوا سوية على إزالة الحجارة الكثيرة عن الطريق الوعرة المغلقة حتى تم فتح الطريق واستكملنا انسحابنا.

وفور وصولنا الى قرية بنت جبيل، أسسنا المستشفى الميداني هناك وباشرنا بمعالجة الجرحى الذين هربوا الى جنوب لبنان وغيرهم من اللاجئين، بل وبعض الجنود اليهود الذين تم أسرهم، قدمت لهم العناية والرعاية بما يليق بهم كأسرى، عاملتهم معاملة حسنة، كانوا ثلاثة جنود لا أعلم اين أخذهم ضباط جيش الإنقاذ. ثم استكملنا الانسحاب بإتجاه مدينة صور حيث تم تسليمي مهام الاشراف على غرفة العمليات لأستمر في التطوع دون كلل.

وأثناء مكوثي في لبنان، كان والدي يرسل لي النقود مع الأخ حمزة طوقان الذي كان يعمل تاجراً ويزور بيروت للتجارة مرة شهرياً، ثم يزورني في مدينة صور لتزويدي بالنقود والرسائل، كنت أعتز برسائله كثيراً، كان يكتب لي في ختام كل رسالة: حافظي على ما عهدتك يا عدلة.

وبعد ذلك إنسحبنا إلي سوريا ومكثنا في بلده قدسيا، تمت دعوتنا من قبل رئيس الجمهورية السيد شكري القوتلي لتكريمنا، ولكنه لم يتمكن من ذلك إذ وقع إنقلاب عليه في اليوم التالي، فقام بتكريمنا السيد عادل العظم بدلا منه ومنحنا أوسمة الشرف والإخلاص مع النجمة المذهبة، واحتفلت بنا أيضا السيده حياة العظم رئيسة الاتحاد النسائي في سوريا.

وأخيراً، عدت الى الوطن، الى مدينة نابلس، وإستقبلتنا الآنسة عندليب العمد بحفاوة، ثم إلتحقت بالعمل في مستشفى القمحاوي في المدينة ثلاث سنوات وتزوجت السيد سامي العنبتاوي وأنجبت منه اربعة أطفال.



نابلس وعمان 25/10/2010

تم طباعة هذا المقال من موقع مدينة نابلس الالكترونية: واجهة نابلس الحضارية على شبكة الانترنت (nablus-city.net)

© جميع الحقوق محفوظة

(طباعة)