خطوة نسوية في الاتجاه الصحيح
عدد القراءات: 1638

بقلم: علاء أبو ضهير

لم تكن الخطوة الجريئة التي قامت بها جمعية حواء بالخطوة التي يمر بها المراقب مرور الكرام، إن مبادرة افتتاح مخبز خيري تجربة تستحق الدراسة والتمحيص، وتعود بي إلى تجربة بريطانية كنت قد تعرفت عليها خلال زيارتي الأخيرة للملكة المتحدة قبل عدة اشهر.

 

تعرفت خلال زيارتي تلك على مجموعة من السيدات اللواتي يعملن في مجال العمل الاجتماعي والخيري، نساءٌ حرصن على إيجاد مبرر اجتماعي لوجودهن، نساءٌ يبحثن عن قضية إنسانية يناضلن من أجلها، وحلمٍ يعشن من اجل تحقيقه، ومشاريع خيرية ينذرن حياتهن لإنجاحها.

 

شاهدتهن وهن يجتمعن بحركة ونشاط من اجل تنظيم عمل ربحي يعود ريعه لمشروع خيري، تختلف مسميات هذه الأعمال الخيرية من حفل فني إلى أمسية موسيقية أو عمل مسرحي أو حتى حفل غنائي، يقوم المشاركون في هذه الفعاليات بدفع أثمان بطاقات المشاركة ليتم بعد ذلك صرف عائداتها على الاطفال المعاقين او مراكز العناية بالمسنين او أي عمل آخر يستهدف الخير العام.

 

ولكن ما لفت نظري هو قدرة تلك المشاريع الصغيرة على ضخ الأموال اللازمة لهذه الجمعيات النسوية، زرت العديد من المقاهي والمطاعم واماكن الترفيه الاجتماعي التي قامت بعض الجمعيات بإنشائها لتقديم الخدمة للمستهلك وللحصول على بعض الدخل اللازم لتنظيم فعاليات ومشاريع خيرية للمجتمع، قيل لي أن هذه المشاريع الخيرية تنتشر بكثرة في المجتمع البريطاني وهي مشاريع تصب في خانة تعدد مصادر الدخل اللازمة لهذه الجمعيات للاعتماد على نفسها ولتطوير برامجها والخروج من إطار الاعتماد الكامل على تبرعات المؤسسات الضخمة أو الهبات الحكومية التي تدفع هذه المؤسسات للتنازل تلقائيا عن جزء من شخصيتها أمام هذه المؤسسات المانحة.

 

لم تكن محاولة جمعية حواء بعيدة عن هذا التوجه، بل كانت في صميمه، تذكرت وأنا أشارك في افتتاح المخبز الخيري التابع للجمعية يوم قدمت بحثاً للحصول على درجة الماجستير في جامعة بير زيت قبل عدة سنوات، طرحت يومها وجهة نظر تقوم على فرضية الارتباط بين الكرامة وتنوع مصادر الدخل، حيث تبين لكل من قرأ البحث الذي قدمته ان العلاقة الطردية بين الكرامة والسيادة من جهة وتنويع مصادر الدخل علاقة طردية لا تهاون فيها، وهذا ما تفتقر له مؤسساتنا الخيرية والاجتماعية، تلك المؤسسات التي تندفع بسبب عدم قدرتها على تنويع مصادر دخلها، وبسبب اعتمادها الدائم على مصادر الدعم الخارجي فإنها توافق دوماً على مشاريع لا تتناسب مع طموح المجتمع ومصلحته واولوياته، نراها تنظم ورش حوار لا طعم لها ولا لون ولا رائحه، لا تراعي هذه المشاريع والبرامج أولويات المجتمع وحاجاته، كما تركز على دعم كل ما هو غير انتاجي. يقوم ممولو هذه الجمعيات بالبحث عما هو كمالي للمجتمع ليقوموا بتمويله، ونادراً ما  تم تمويل إنشاء مصنع انتاجي لتشغيل الايدي العاملة او دعم الصناعة الوطنية، بل كانت هذه المشاريع في معظم حالاتها مجرد مشاريع ترويجية لهذه المؤسسات المانحة.

 

ان قيام جمعية حواء بانشاء مخبز خيري، وهي جمعية تعمل في مجال خدمة المجتمع المحلي، هي خطوة في الاتجاه الصحيح، كان الاحرى بالعديد من مؤسساتنا التي افلست واغلقت ابوابها منذ عشرات السنوات ان تكون قد استفادت من هذه التجربة الجديرة بالاحترام، كما ينبغي علينا الوقوف الى جانب هذه المبادرات وتشجيع بقية المؤسسات على المضي قدماً في مشاريع مشابهه.

 

ولم لا! لو اننا فكرنا بشمولية في تخطيط اقتصادنا الوطني لما آلت الامور بنا الى استجداء الدول المانحة للحصول على خبزنا اليومي كما هو حالنا اليوم، لقد قامت قيادتنا السياسية والاقتصادية بتدمير معظم قطاعات الإنتاج الوطني وحولت المواطنين الى مستهلكين بعد ان كانوا منتجين لأفضل السلع وأجودها في العديد من المجالات، تم فتح الأسواق على مصراعيها للصناعات والمنتجات المستوردة من آسيا، مع العلم أننا كنا في مأمن نسبي من مخاطر العولمه بفضل سياسة الاحتلال التي كانت تمنع دخول السلع عبر الجسر أو غيره من الحدود، وها هي نتيجة عدم التعامل بحكمة وخبرة مع تخطيط الاقتصاد، لقد تضررت القطاعات الإنتاجية المحلية، تم تحويل آلاف العمال من قوة منتجة إلى طاقة خدماتية ضعيفة، وبالمحصلة ترهل جسم المؤسسات بفائض ضخم من أشباه العاطلين عن العمل، وتحول الوطن إلى ُقفة من الهمّ لا يستطيع أي كان أن يحملها.

 

***

  

28/7/2006

أضف تعليق
تغيير الصورة
تعليقات الزوار

1

،
ياأخ سامي الصدر أستحي على حالك وما تحذف التعليقات اللي ما بتناسبك و أذا بدك نحكي صح *****
يا أخي الكريم حذفنا تعليقك لأنه فيه تشهير مباشر لا نقبل به ضمن سياسة الموقع، أرجو أن تقوم بتقديم تعليق ليس به تشهير وننشره لك بكل احترام.. شكراً لك...
تصميم وتطوير: ماسترويب