العادات الاجتماعية في جبل النار بقية من نابلس العثمانية تطل على القرن الحادي والعشرين
العادات الاجتماعية في جبل النار بقية من نابلس العثمانية تطل على القرن الحادي والعشرين
العادات الاجتماعية في جبل النار بقية من نابلس العثمانية تطل على القرن الحادي والعشرين
عدد القراءات: 23203

كتبت أمل دويكات من نابلس

شبكة الحدث الاخبارية: بين حاراتها وأزقتها، وفوق قبابها ومآذنها العتيقة، وبجوار أضرحتها ومقاماتها الشامخة، وعلى مداخل خاناتها القديمة، يشتم المرء رائحة الماضي الأصيل فتخبره للتو أن تلك هي مدينة نابلس بكل ما تحمل الكلمة من معنى.

وفضلا عما ذكرته الكتب التاريخية بحق المدينة من عراقة، وعمق حضاري يمتد إلى قرون عدة قبل الميلاد ليشمل الحضارات الكنعانية والرومانية والإسلامية بكافة عهودها وصولا إلى الحكم العثماني، يجد المتأمل في واقعها القديم والحديث صورا من أنماط الحياة الاجتماعية بعاداتها وتقاليدها وأعرافها، لا يملك حيالها سوى القول أن هذا هو المجتمع النابلسي بحق، وتلك هي طباعه الأصيلة.

دمشق الصغرى
في زمن الحكم العثماني كانت المدن الفلسطينية الحالية جزءاً من كلٍ كبير يسمى بلاد الشام، وكان هذا المصطلح يشمل بالإضافة إلى فلسطين كل من سوريا، ولبنان، والأردن على اعتبار أنها جميعاً تشكل كياناً جغرافياً واحداً، ولكن مدينة نابلس كما يذكر د. لطفي زغلول، الشاعر والكاتب النابلسي المعروف، تميزت بالتشابه مع دمشق من حيث طبيعتهما الجغرافية، فضلاً عن الكثير من عادات أهلهما وتقاليدهم كاللباس والمأكولات وتقارب لهجة أهالي المدينتين أيضاً.

ويضيف د. زغلول أن دمشق استطاعت حالياً إعادة إحياء تراثها العربي الإسلامي من خلال الأعمال الفنية والمسلسلات التاريخية التي ترسخ في الأذهان صورة دمشق القديمة بعاداتها وتقاليدها الاجتماعية وطقوسها الدينية المختلفة.

طرابيش وملايا
ويذكر د. لطفي زغلول أن المجتمع النابلسي اتسم في تلك الفترة بالاحتشام في اللباس الذي كان مستمداً من الشريعة الإسلامية بالأساس، سواء ما كان منه للرجال أو النساء، فالرجال كانوا يعتمرون الطرابيش، وعرفوا أنواع أخرى من اللباس مثل القمباز، والسرّتلي، وغيرها

من الألبسة الخاصة بالرجال، أما النساء فيمكن القول أن الزي الخاص بهن كان موحداً تقريباً، وهو ما عرف حينئذ بِ "الملاية" وهي عبارة عن ثلاث قطع سوداء اللون إحداها لتغطية الرأس والأخرى لتغطية الوجه، والثالثة لستر باقي الجسم.

ويعقب د. زغلول على ذلك بأن المجتمع النابلسي تميّز آنذاك بعدم اختلاط المرأة بالرجال، والتزامها بيت زوجها، ولم تكن إحداهن تخرج إلا بإذن زوجها أو ولي أمرها، ولكن بدأت المرأة تدريجيا تغير نمط لباسها وكذلك الرجل، فعرفت النساء بعد ذلك الفستان مع بقاء غطاء

الرأس والوجه، وصار الرجال يلبسون "البنطلون" و "الجاكيت" ومع مرور الوقت تخلت النساء عن غطاء الوجه، والبعض منهن تركن غطاء الرأس كلياً.

 

 

نابلسية... والاسم كنافة
ومن أشهر ما عُرف عن مدينة نابلس من مأكولات حلوى الكنافة، والمعروفة في العواصم العربية باسم "نابلسية" نسبة إلى مسقط رأسها نابلس.

ويشير د. لطفي زغلول، المحاضر السابق في جامعة النجاح الوطنية، أن هناك مأكولات عرفتها نابلس منذ عقود طويلة، ومنها على سبيل المثال طبق العكوب، وهو من الأطباق المرغوبة على الموائد النابلسية، وكذلك المعمول وهو حلوى العيد، والمجدّرة المكونة من الأرز والعدس، وتميزت المدينة أيضاً بصناعة الحلاوة والزلابية، وينوه د. زغلول إلى أن هذه الأخيرة أصلها عراقي واستجلبت إلى نابلس، مردّدا صدر بيت الشعر القائل "رأيته سَحَرَاً يقلي زلابيةً" من قصيدة شاعر عراقي.

ويذكر الأستاذ إحسان النمر في كتابه تاريخ جبل نابلس والبلقاء أنواع أخرى من المأكولات النابلسية في ذلك الحين، ومنها المفتول، والمحاشي، والمخاشي، والثريد (الفتيت)، ومن الحلويات عُرفت أيضاً البقلاوة، والقلاذ الذي غالباً ما يصنع في البيوت، ومن المشروبات السائدة في ذلك الوقت عرق السوس، والخروب، وشراب التوت، والليمون مع العسل، والقهوة السادة المخلوطة مع التوابل والبهارات على الطريقة البدوية، ولم يكن الشاي معروفاً في نابلس وقتذاك.

السوق نازل يا رمضان
يقول الحاج أبو كريم دروزة أحد أبناء المدينة، عما يحضره من ذكريات حول رمضان قديماً، أن النابلسيين مجتمع متدين يستغلون إقبال رمضان في العبادة والتقرب إلى الله بأشكال الطاعات المختلفة، ويبدأ الاستعداد لرمضان منذ شهر شعبان، الذي يشهد هو الآخر طقوساً اجتماعية محببة في المدينة، كالشعبونية التي تدعى إليها أرحام الرجل في كل أسرة لتناول الطعام، وما زال معمولاً بها إلى الآن.

ويضاف إلى ذلك أن بيوت نابلس تنشغل في تلك الفترة بإعداد أصناف من الطعام والمخللات، والنقوع والمشروبات، استعداداً لاستقبال الشهر الكريم، ويشير دروزة إلى أن رمضان يعد مناسبة جيدة ليصل الرجل أرحامه، فيقوم بزيارة الأخوات والعمات والبنات المتزوجات حاملاً معه ما تيسّر من الطعام أو اللباس وتعرف هذه الزيارة نابلسياً باسم "الفُقدة".

ويذكر دروزة أن الناس كانوا يضيئون الشوارع ليلاً بقناديل الزيت، وصارت هذه القناديل أو الفوانيس تقليداً رمضانياً حتى يومنا هذا، وتباع في الأسواق للأطفال لإدخال البهجة إلى قلوبهم في أجواء رمضان، ويضيف أن لكل حارة في المدينة "مسحّر" خاص بها يوقظ أهلها قبل الفجر لتناول السحور.

وهناك ما يعرف بالسوق نازل في ليالي رمضان كما يذكر الحاج أبو كريم، وينتشر في شوارع المدينة وتباع فيه أنواع المأكولات والمشروبات التي لا يستطيع الصائم تناولها في نهار رمضان، إضافة إلى بضائع أخرى كثيرة.

قصة الشعرات النبوية
وبسبب طبيعة نابلس المتدينة منذ ذلك الوقت، كانت تقام حفلات الذكر على مدار السنة، وتكثر في رمضان بالذات وتحييها عادة الفرق الصوفية الموجودة في المدينة، بصحبة الطبول وآلات أخرى، ويشارك الأهالي هذه الفرق في المديح والذكر الذي لا زالت آثاره باقية حتى يومنا هذا، ويحييه النابلسيون في المساجد خلال شهر رمضان وخاصة في العشر الأواخر منه.

وجرت العادة ومنذ ما يزيد على مئة عام تقريباً أن يحتفي النابلسيون بالشعرات النبوية المحفوظة حالياً داخل خزنة في الجامع الحنبلي يوم السابع والعشرين من رمضان في كل عام، ويروي الشيخ محمد البسطامي - رحمه الله- وهو أحد أعلام المدينة في الشريعة الإسلامية خلال القرن العشرين، قصة هذه الشعرات في أحد مؤلفاته المحفوظة أيضاً في الجامع الحنبلي، ومفادها أن أعيان نابلس وأشرافها تولوا بأنفسهم استجلاب الشعرات النبوية التي كانت موجودة في اسطنبول في ذلك الحين إلى نابلس كواحدة من عدة مدن أخرى حظيت بالحصول على هذه الشعرات ومنها مدينة دمشق، وتولت عائلة البيطار منذ ذلك الحين وحتى اليوم الحفاظ على الشعرات النبوية، وكما يقول د. زغلول نالت عائلة البيطار شرف المسؤولية عنها، مشيراً إلى أنه خُصص لها خزنة ومفتاح تحمله أسرة من آل البيطار، وذلك بعد أن جرت محاولة في إحدى المرات للاعتداء على الشعرات المذكورة.

أحوال العيد
أما الأطفال فكانت لهم مدائحهم الخاصة، وذلك عند قرب حلول العيد الذي يمتاز بنكهة من نوع آخر في المدينة، ويسترجع الحاج أبو كريم دروزة أيام الطفولة بقوله كانت الأمهات تضع في أعناق أولادهن أكياساً يصنعنها من القماش، ويذهب الطفل بها إلى بيت جدّته وتقوم الجدة بإعطاء حفيدها مما لديها من الحلوى، وكانوا يسمونها في ذلك الوقت "التحويجة"، أما ثياب العيد فكان يفصلها خياطو المدينة للصغار والكبار من الذكور، وعادة ما يشهد هؤلاء أيام عمل شاقة في الليالي القليلة التي تسبق العيد، نظراً لأن كافة أهل المدينة يفضلون شراء ثيابهم الجديدة وخياطتها مع حلول العيد.

ويلخّص د. لطفي زغلول أهم محطات يوم العيد، والتي تتمثل بخروج الرجال لصلاة العيد في المساجد، ومن ثم زيارة القبور وقراءة الفاتحة على أرواح الموتى هناك، والعودة إلى البيت لتناول وجبة الإفطار، يعقب ذلك ذهاب الرجال إلى أرحامهم من النساء للسلام عليهن، وتهنئتهن بالعيد، وإهدائهن ما تيسر من المال، ويسمى ذلك "العيدية"، ولا زالت الكثير من هذه الطقوس قائمة حتى اللحظة.

الحمام التركي واختيار العروس
يقول د. لطفي زغلول أن هذه المرحلة شهدت ازدهاراً للحمامات التركية، فكان الحمام أكثر من مجرد مكان للاستحمام، فهو مكان للاستشفاء أحياناً وللعلاج في أخرى، وكان صاحب الحمام يقوم بأكثر من وظيفة في آن، منها الحلاقة والعلاج الطبيعي، وخصصت أيام للرجال وأخرى للنساء في كل حمام.

وهناك عائلة في المدينة نُسبت إلى مهنة صاحب الحمام، كما يذكر د. أمين أبو بكر، وهي عائلة الحمامي التي يقال أن جدها كان يملك أحد الحمامات في نابلس.

ويتابع د. زغلول أن النساء استخدمن الحمام في تلك الفترة لمآرب أخرى، كاختيار العروس المناسبة للشاب الذي يريد الزواج، وإذا ما وقع الاختيار على فتاة ما، يتقدم العريس بصحبة أهله لخطبتها، وعند موافقة أهل الفتاة بعد السؤال عن العريس وعائلته، تتم الخطبة بشكل رسمي وهو ما يعرف بالجاهة، التي ما زال معمولاً بها حتى الوقت الراهن، وكلما زاد عدد أفراد الجاهة تلك، كما يقول د. زغلول، تزداد قيمة العريس وأهله في نظر نسائبه ومحيطه الاجتماعي، وللنساء من أهل العريس حفلة خاصة بعد الجاهة تسمى "الشوفة" لرؤية العروس والاحتفاء بها، ويتوج هذه المراسيم كلها حفل الزفاف أو العرس الذي تنتقل فيه العروس لبيت زوجها.

هكذا قالوا
ومن ناحية الموروث اللغوي الذي اتسمت به نابلس، تميّز أهلها منذ ذلك الوقت بفصاحة لهجتهم وبيانها، أسوة بسائر لهجات بلاد الشام التي تعد أفصح لهجات العرب إلى اليوم، وهو ما يؤكده الأستاذ إحسان النمر في تاريخ جبل نابلس والبلقاء.

وعن أمثالهم، فقد تناقل النابلسيون أمثالاً عبرت عن أنماط اجتماعية وثقافية معينة، منها قولهم "الغرض مرض" و "العيال سوس المال" و "الشر من شرارة" و "تعب الحر مر" و "عليك بالجار ولو جار"، وقولهم "الرجال محاضر مش مناظر" و "نَفَس الرجال بحيي الرجال".

ومع خضوع المدينة للحكم العثماني ظهرت أمثال أخرى لم تكن موجودة في قاموس الأمثال النابلسية من قبل، وهي من أصل عثماني كما يقول د. أمين أبو بكر، وطرأت على المدينة بفعل تأثرها بالدولة العثمانية، ومن هذه الأمثال "حط راسك بين الروس، وقول يا قطاع الروس" ويقال هذا المثل للدلالة على روح الاستسلام واللامبالاة، ومنها أيضاً "كل سكّرة وإلها مفتاح" بمعنى أن لكل مشكلة حل، وقولهم " كتبة وانكتبت" بمعنى لا مفر، وقيل هذا المثل في

القرعة التي كانت تجري لتجنيد الشبان في الخدمة العسكرية، ومنها كذلك "اللي بياخذ أمي بناديه عمي" وهو أيضاً دلالة على اللامبالاة بما يحدث، وقولهم " العم مولّى والخال مخلّى" بمعنى أن أهل الأب أولى بالطفل من أهل الأم، وغيرها الكثير من الأمثال التي لا يتسع المجال لذكرها.

ويشير د. أبو بكر إلى العديد من الكلمات التي وفدت إلى نابلس من اللغة التركية ومنها على سبيل المثال كلمات: (طابو) التي تعني بالعربية محرم على غيرك وهي دائرة تسجيل الأملاك زمن العثمانيين، و(خان) التي تعني بالعربية الفندق الذي ينام فيه التجار، و(سبيطار) وهو بالعربية المستشفى، و(أكزخانة) وتعني صيدلية، و(إسكافي) التي تعني مصلح الأحذية، و(عطار) وتعني بائع الأعشاب ذات الروائح القوية، و(برنجي) أي الرقم واحد، وغيرها الكثير من الكلمات التي أصبحت جزءاً من اللهجة المحكية.

ويذكر د. أبو بكر، المحاضر في جامعة النجاح الوطنية، أن هناك عائلات حملت أسماء تركية في المدينة منها (طبنجة) التي تعني بالتركية المسدّس، و(الكوني) التي تعني العالِم، و(تفكجي) وهو الحارس الذي يحمل البندقية.

مدينة مغلقة
وحول طبيعة نابلس المحافِظة والمتديّنة مقارنة بباقي المدن والعواصم العربية، يخلُصُ د. أبو بكر إلى القول إن مدينة نابلس ظلت عبر العصور مدينة مغلقة أي لم تختلط بالعناصر الأجنبية التي دخلت غيرها من المدن، وخاصة المدن الساحلية الواقعة على خطوط التجارة من آسيا إلى أوروبا وبالعكس، وبالتالي لم تتأثر ثقافتها ولغتها وعاداتها المستمد معظمها من الشريعة الإسلامية كونها ذات طبيعة جبلية ساعدتها على الحفاظ على نقاء عاداتها ومعتقداتها.

ولا يزال المرء حتى هذا اليوم يلمس ارتباطاً وثيقاً بين طقوس النابلسيين الاجتماعية وتعاليم الدين الإسلامي، وإن كان بعضها مستحدث لم يرد في الشريعة، إلا أنه بات مستحباً ومقبولاً بينهم.

العادات الاجتماعية في جبل النار بقية من نابلس العثمانية تطل على القرن الحادي والعشرين
العادات الاجتماعية في جبل النار بقية من نابلس العثمانية تطل على القرن الحادي والعشرين
العادات الاجتماعية في جبل النار بقية من نابلس العثمانية تطل على القرن الحادي والعشرين
العادات الاجتماعية في جبل النار بقية من نابلس العثمانية تطل على القرن الحادي والعشرين
العادات الاجتماعية في جبل النار بقية من نابلس العثمانية تطل على القرن الحادي والعشرين
العادات الاجتماعية في جبل النار بقية من نابلس العثمانية تطل على القرن الحادي والعشرين
العادات الاجتماعية في جبل النار بقية من نابلس العثمانية تطل على القرن الحادي والعشرين
أضف تعليق
تغيير الصورة
تعليقات الزوار

1

اسيا، الامارات
عنجد مدينة نابلس رائعة مولاني نابلسية ومشتاقة لاهلي فيها بس فيها سحر طبيعة لا يوصف

2

hani، jordan
انا من نابلس ...... جبل النار طبنجه" و"صايمة" عائلتان من نابلس وهما فخذان من آل غباين الذين يعودون باصولهماالى مدينة القدس الشريف وآل غباين يرجعون باصولهما الى الشيخ علي بن محمد آل غباين من الحجاز في الجزيرة العربية... ال طبنجه متواجدون في نابلس ومنهم في طولكرم (ابناء عم ) وفي مدن فلسطينية اخرى مثل قطنة، كما يتواجدون في الاردن في اربد بني كنانة وفي لواء الرمثا (قرية الشجرة ويسمون ابو طبنجه..... وفي سوريا تتواجد عائلة طبنجه ايضا في مدينة دمشق ...... من شهداء ال طبنجه في نابلس 1- الشهيد سامر سمير طبنجه استشهد في 10/1/2000 2- الشهيد سامر صدقي طبنجه استشهد في 1/1/1981 شجرة العائلة غير مكتملة(من وحي الذاكرة) احمد مصصلح عثمان رشيد يوسف ..... عثمان .....صبحي 1) عثمان رشيد....... محمد رشاد...... جواد............( ) 2) صبحي ...... معين 3)يوسف هاني.... محمد......مصطفى ....ابراهيم
تصميم وتطوير: ماسترويب