ه بين نظرية المؤامرة و جلد الذات
عدد القراءات: 10257

د. مازن خويرة – نابلس

 

إن مما يأخذه الآخرون على أمة العرب والإسلام في هذا العصر أنها مولعة بنظرية المؤامرة حيث تحاول من خلالها –كما يقولون- أن تعلّق عجزها ومصائبها على مشجب قوى خارجية لا هم لها ولا شاغل سوى حياكة المؤامرات واعداد الخطط للنيل من العرب والتسبب لهم بالضرر والأذى .ويعزون أن هذه النظرية ما هي الا اضطراب نفسي و عقلي أصاب الذهنية العربية التي تخشى من مواجهة الواقع فضلا عن ذاتها التي تحتوي في داخلها حسب زعمهم أسباب التقهقر و الأنحطاط .

و تلقف بعض من أمتنا هذا التفسير المشوه وانبرى يمارس نظرية أخرى هي جلد الذات واتهامها بالتخلف والقصور.

ومما لا شك فيه ان هاتين النظريتين تقفان على طرفي نقيض فالأولى تدفعنا الى توهم العجز ازاء الاستهداف والثانية الى جلد الذات من غير ما أهداف .

و لقد ساهمت كلتاهما بزيادة الوضع العربي سوء على سوء وتراجعا اثر تراجع و يبدو تماما العقد النفسية الخطيرة التي تولدت لدى بعض افراد الامة ،فلقد رسخت نظرية المؤامرة عقدة الشعور بالاضطهاد بينما غرست الثانية عقدة الشعور بالنقص ، ولست أدري أيهما الأشد فتكا بامة كانت بالأمس ملء سمع الدنيا وبصرها فإذا بها اليوم في ذيل القافلة ولست هنا في معرض التغني بأمجاد الامة او البكاء على أطلالها فليس ذلك مرادي البتة وانما السعي الى ان يترسخ في العقل والوجدان نظرية ثالثة أو فكر مستنير ينسخ سابقيه فيستنهض الهمم بايجابية وتوازن ويكفل لنا رجحان كفة الامة من جديد بعد طيشها لطيشها !!! .

ان هذا الفكر كما أراه يتلخص في نظرية المصابرة والمثابرة ولايتوهمنّ احد اني مدفوع اليها بالسجع بل بالوجع !!!!! وجع يعلم الله انه في قلب كل غيور مخلص لامته وعقيدته.

ان المثابرة كفيلة بشحن الذات العربية المسلمة بشحنة التحدي والاباء التي جبلت عليها الفطر ة العربية الصادقة ، اذ ان المصابرة هي الوجه الديناميكي في معادلة التغيير التي تتبنى منهج الأستمرارية من أجل مراكمة الأنجازات وتعديل الموازين من غير تقليل على الأطلاق من اية قطرة قد تصب في محيط الأمة الناضب !!!! . و بالجملة فان المثابرة هي دوام اليقظة والأستعداد والترقي والتشمير ردا على المعسكر الاخر الذي يقول عنه رب العزة (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم ان استطاعوا ) .

وفي المقابل فان المصابرة هي الوجه الساكن المطمئن من معادلة التغيير وهو لا يقل في أهميته البتة عن الوجه الأول اذ أنه رغم ثباته الحركي الظاهر فانه يعتمد متغيرا اخر يغفل عنه الكثيرون و هو متغير الزمن حيث ان الزمن لا يبقي القوي قويا ولا الضعيف ضعيفا ، فلا بد ان يهرم الشاب يوما ويقوي عود الطفل ويشتد ساعده بعد ان كان لايؤبه له .

ان المصابرة الحقة ليست عجزا أو سلبية كما قد يظن البعض بل هي طريق الفلاح و يدخل فيها مفهوم الرباط اذ هو انتظار حركة الزمن ( اصبروا وصابروا ورابطوا لعلكم تفلحون ) ( وتلك الأيام نداولها بين الناس ) .

ان هذا الفكر متوازن يجمع في شقيه ـ المثابرة والمصابرة ـ بين واقعية الحركة من حيث الأخذ بالأسباب و وحركة الواقع من حيث انتظار النتائج ، وهو يحول العقدة الاولى من شعور بالاستهداف الى شعور بالاستخلاف والعقدة الثانية من جلد الذات الى هجر اللذات .

و أختم بقول الفاروق رضي الله عنه (اللهم اني اعوذ بك من عجز الثقة و جلد الفاجر )

 

 

 

أضف تعليق
تغيير الصورة
تعليقات الزوار

1

عاشقة الوطن، فلسطين
مقال رائع ،فهو وصف دقيق لواقعنا ،بارك الله لك وجزاك خيرا دكتور مازن

2

شادي، ايطاليا
بارك الله فيك اخي مازن ..مقال رائع واتفق معك ..لا يمكن ان ننكر ان هناك مؤامرات واتفاقات سرية ضد الاسلام والمسلمين وهذا من ايام رسولنا صلى الله عليه وسلم ولكن هذا لا يعني التخاذل ولا الاستسلام وجلد الذات وتأنيبها يجب ان يكون للتقدم للامام وليس للخضوع والقعود.. اللهم اصلح حال المسلمين ومهما طال الزمان فالنصر لمن قال لا اله الا الله وان محمد رسول الله باذن الله .
تصميم وتطوير: ماسترويب